الإيجيبتولوجيا: هدية شامبليون إلى الإنسانية!

شارك

«أنا كلي لمصر، وهي كل شيء بالنسبة لي» عبارة خالدة سطرها عاشق مصر، العالم الفرنسي الكبير البروفيسور جان فرانسوا شامبليون (1790-1832م). وشامبليون هو الذي فك رموز اللغة الهيروغليفية مستعينًا بحجر رشيد، وهو من ثم الذي قدم الحضارة المصرية القديمة كأثمن هدية إلى الإنسانية جمعاء.

بدأ النبوغ المبكر لشامبليون في سن السابعة عشرة؛ حيث أبدى استعدادًا عظيمًا لتعلم اللغات القديمة والمقارنة بينها. فأتم تعليمه مبكرًا، وتولى وهو في شرخ الشباب منصب أستاذ كرسي للآثار المصرية في كوليج دو فرانس، كما أصدر أول معجم في العالم للغة القبطية. ورغم أن المرض كان يرافقه فقد كان مريضًا بالنقرس والسل – فإن ذلك لم يَعُقْه قط عن البحث والتنقيب والدراسة، وهو أول من رفع مذكرة رسمية لوالي مصر – محمد علي باشا في هذا الوقت – يطالبه فيها بإصدار تشريع لحماية الآثار المصرية من السرقة ومنع تداولها تجاريًّا.

وقد أنهك شامبليون المرض والسفر ومشقة البحث؛ فتضافرت كلُّ العوامل معًا لتقضي على حياته وهو في ريعان الشباب، فأسلم الروح يوم 4 مارس 1832م في الحادية والأربعين من عمره القصير العامر بالإنجازات العظيمة. ودُفن في مقابر بيير لاشيز في باريس؛ حيث تتميز مقبرته بأنها الوحيدة التي يعلوها نموذج لمسلة مصرية.

إذا كان شامبليون قد غادر عالمنا الفاني، فإن حجر رشيد – القابع حاليًّا في المتحف البريطاني بلندن – يبقى شاهدًا على خلوده. وقد اكتُشف حجر رشيد عام 1799م بالمصادفة من خلال أحد جنود الحملة الفرنسية على مصر في هذا الوقت، وهو حجر من الديوريت نُقش عليه نص بلغتين وثلاث كتابات: المصرية القديمة مكتوبة أولًا بالهيروغليفية، وتعني الكتابة المقدسة؛ لأنها كانت مخصصة للكتابة داخل المعابد، ثم مكتوبة ثانيًا بالديموطيقية، وتعني الخط أو الكتابة الشعبية، وأخيرًا النص نفسه مكتوبًا باللغة اليونانية القديمة. ومن خلال المقارنة بينها، ولأن شامبليون كان على دراية مسبقة باللغة القبطية التي انحدرت منها الديموطيقية، وكذلك كان على دراية باللغة اليونانية القديمة، فقد نجح في فك طلاسم الحجر.

يعتبر شامبليون – بعد إنجازه التاريخي – أبًا لعلم المصريات؛ لأنه أسهم في كشف كثير من أسرار حضارة المصريين القدماء، ومكَّن العلماء من معرفة كثير من تفاصيل حياتهم، وعلومهم، وفنونهم، وأنظمتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ إذ إنه بعد فك رموز الهيروغليفية عام 1822م، بدأت كتابة التاريخ المصري القديم تتم بناءً على الاكتشافات الحفرية وقراءة البرديات واللوحات والنقوش على جدران المعابد والمقابر.

في عام 1858م، بدأت أبحاث العالم الفرنسي الكبير أوجست مارييت باشا والبعثة الفرنسية المعاونة له في إعادة تنظيم الآثار وتصنيفها وتأريخها؛ ومارييت باشا – كما هو معروف – هو الذي أسس المتحف المصري بالقاهرة. وفي عام 1922م ، جذب كشف الرحالة البريطاني هوارد كارتر لمقبرة الفرعون الشاب توت عنخ آمون بتمويل من اللورد كارنرفون انتباهًا واهتمامًا أكثر لعلم المصريات، بل دعمه بكم هائل من التفاصيل والمعلومات.

يظهر فضل اكتشاف شامبليون أيضًا في تمكن العلماء من قراءة كثير من البرديات، مثل البرديات الطبية وعلى رأسها بردية إدوين سميث، وبردية بروكلين، وبردية كارلسبرج، وبردية بروغش. كما أن جانبًا من التنظيمات الإدارية للمصريين القدماء ظهر جليًّا في برديات أبي صير التي تعتبر من الاكتشافات الأكثر أهمية للوثائق الإدارية في الدولة القديمة؛ فهي تعطي معلومات مفصلة عن تشغيل معبد الجثامين الملكي، وتشمل جداول نوبات العمل للكهنة، وقوائم جرد معدات المعبد، وقوائم العروض اليومية للمعبدين الشمسيين في أبي غراب شمال أبي صير، فضلاً عن الخطابات والتصاريح ذات الصلة.

وتأتي برديات الكاهون لتقدم مجموعة مختلطة من الموضوعات والبيانات تتعلق بمجالات عدة؛ منها أوراق العمل الخاصة بتقديس سنوسرت الثاني، وتراتيل إلى الملك سنوسرت الثالث، ومعلومات طبية متعلقة بأمراض النساء والتوليد، ومجموعة من النصوص الرياضية، وبردية في الطب البيطري، كما تظهر هذه البردية تفاصيل فعاليات المهرجانات في هذا الوقت.

لقد انفتحت الإنسانية على أقدم حضارة في التاريخ بفضل شامبليون؛ إنها خزانة الأسرار التي انفكت طلاسمها، وما زالت وستظل تبهر العالم أجمع.

Banner Image.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية