حورية البحر بين الأسطورة والثقافة والحقيقة (1)

شارك

لطالما ألهمت الكائنات البحرية الأساطير والخرافات لدورها المحوري الذي تؤديه في معظم المجتمعات. وتختلف الأساطير عن القصص الشعبي في أن الناس كانت تصدقها في وقتٍ ما ولارتباطها بكيفية سرد التاريخ القديم وكيفية توارثه من جيل إلى التالي. على الجانب الآخر، فإن القصص الشعبي قصص خيالية تسرد إما إشارة لدرس أخلاقي أو للتعليق على أحوال المجتمع أو لاستكشاف معاني الإنسانية ويمكن أن تتضمن عناصر خيالية وسحرية.

إحدى الأساطير الخالدة أسطورة حورية البحر. فعلى الرغم من وجود مخلوقات أسطورية عدة استحوذت على مخيلتنا، إلا أن حوريات البحر ظلت متربعة على عرش الأساطير حتى يومنا هذا. وفكرة وجود مخلوق نصفه إنسان ونصفه سمكة هي فكرة موجودة في كثير من الثقافات المختلفة حول العالم. فكان يُعتقد أن حوريات البحر مخلوقات مقدسة. وإحدى أقدم الأساطير التي ترجع إلى القرن الألف قبل الميلاد كانت عن الإلهة أتارجيتس؛ حيث نشأت في سوريا الحديثة حيث عثر علماء الآثار على عملات معدنية تصور أتارجيتس كحورية بحر.

سواءً في الأساطير أو في القصص الشعبي، فإن رمزية حوريات البحر لم تكن أبدًا متشابهة. في بعض الأحيان، كان ظهورها ينذر بسوء الحظ؛ فتستدرج البحارة إلى هلاكهم أو تتنبأ بحدوث فيضانات أو عواصف. ولكن في أحيان أخرى، كانت رمزًا للحظ الجيد، والخصوبة، والوفرة. ومن المثير للاهتمام أن رسام الخرائط السويدي من القرن الرابع عشر المعروف باسم ألاوس ماجنس اعتاد رسم حوريات ووحوش البحر للإشارة إلى المناطق الجغرافية الخطرة. لاحقًا، من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، تبنى البحارة الأوروبيون نظرة أكثر إيجابية بشأن حوريات البحر وكثيرًا ما استخدموها رمزًا لسفنهم. فاعتقدوا أن حوريات البحر ستساعدهم على الإبحار بسلام وستسهل الملاحة.

وُصفت حوريات البحر بشكل مختلف في الثقافات المختلفة؛ ففي بعضها وصفت بذيل سمكة ووفي البعض الآخر وصفت بذيلين. وكان بعضها يشبه البشر تمامًا ولكن مع إمكانية الحياة تحت الماء، كما في قصة جولنار بنت البحر وولدها الملك بدر باسم ملك بلاد فارس، وهي قصة من ضمن قصص «ألف ليلة وليلة». فتحكي الراوية شهرزاد قصة جولنار حورية البحر التي انتهى بها المطاف بمغادرة المملكة التي كانت تعيش فيها تحت الماء لتتزوج بملك يعيش على الأرض وتنجب ملكًا مستقبليًّا يستطيع الانتقال بين المملكتين البحرية والأرضية. هكذا أنشأت جسرًا بين العالمين؛ ومن خلال قصتها نرى كيف يمكن للأشخاص من خلفيات مختلفة التوافق وإقامة علاقة قائمة على الاحترام المتبادل.

في الأدب والسينما

القصة الشعبية المذكورة أعلاه والمنتشرة في منطقة الشرق الأوسط مختلفة كليًّا عن قصة حورية البحر الأوروبية الشهيرة التي ألفها الكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسون ونشرت عام 1837. فتتناول القصة الأوروبية قصة حورية بحر صغيرة تقع في غرام أمير من بني الإنسان؛ فتتناول شرابًا سحريًّا ليتحول ذيلها إلى أرجل في مقابل أن تصبح بكماء. ولتبقى على قيد الحياة عليها أن تجعل الأمير يقع في حبها؛ ولكن مع الأسف، لم يفعل. لاستعادة ذيلها والحفاظ على حياتها كان عليها قتل الأمير؛ إلا أنها لم تستطع إتمام الأمر وماتت. تسلط هذه القصة الضوء على موضوعات مختلفة؛ أحدها التضحية بالنفس من أجل الحب، والآخر هو كيف يمكن لاختلاف الفرد عن الآخرين أن يهمشه.

نظرًا لشعبيتها حول العالم ولترجمتها إلى مختلف اللغات، كان لهذه القصة تأثيرًا عالميًّا؛ فتأثرت بها طرق سرد حكايات حوريات البحر. في الثقافة الشعبية، عندما نفكر في حوريات البحر يتبادر إلى أذهاننا على الفور فيلم «حورية البحر الصغيرة» الذي أنتجته شركة ديزني وأصدر في عام 1989. وعلى الرغم أن قصته مستوحاة من قصة أندرسون، فقد تم التصرف قليلًا في سردها لتنتهي نهاية سعيدة.

تابع قراءة «حورية البحر (2): لقاءات واكتشافات».

المراجع

britannica.com

gutenberg.org

hepca.org/

instagram.com

nationalgeographic.com

oneearth.org

rmg.co.uk/

worldwildlife.org

Braham, Persephone, et alScaled for Success: The Internationalisation of the Mermaid. Edited by Philip Hayward, Indiana University Press, 2018. 

Bacchilega, Cristina, and Marie Alohalani Brown. The Penguin Book of Mermaids. Penguin Classics, 2019.

Cover Image by freepik

 

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية