حورية البحر بين الأسطورة والثقافة والحقيقة (2): لقاءات واكتشافات

شارك

في الحياة الواقعية، ظهرت عديد من الروايات عن مشاهدات حورية البحر من قبل البحارة والصيادين. إحدى أشهر الروايات قصة المستكشف الشهير كريستوفر كولومبوس المذكورة في كتاب «رجال الشمال، كولومبوس وكابوت»، 985–1503. فكتب: «في اليوم السابق، عندما ذهب قائد الأسطول البحري إلى وادي الذهب (ريو ديل أورو)، شاهد ثلاث حوريات تخرج من البحر، ولكنها ليست جميلة مثلما يتم رسمها، على الرغم من أن وجهها يشبه وجه البشر بعض الشيء. ويقول قائد الأسطول أنه شاهد بعضها في أوقات أخرى في غينيا على ساحل مانيكيتا».

يعُتقد أن ما رآه البحارة هي أبقار البحر وليست حوريات؛ وأبقار البحر هي ثدييات بحرية تنتمي إلى عائلة الخيلانيات. تصعد أبقار البحر إلى السطح لتتنفس، ويتم الخلط بينها وبين حوريات البحر بسبب رؤوسها المستديرة وقدرتها على إدارة رؤوسها وذيولها التي تشبه ذيول الحيتان. فإذا رأى أحد البحارة –في الظلام أو من نقطة بعيدة– رأس تصعد لتتنفس ثم رأى الذيل وهو يسبح مرة أخرى للأعماق، ليس من المستبعد أن يعتقد أن ما رآه كان ذلك الكائن الذي نصفه إنسان ونصفه الآخر سمكة والمتأصل في الثقافات القديمة: حورية البحر.

تعيش أبقار البحر في المياه الساحلية الضحلة الدافئة في المحيطين الهندي والهادئ. وموطنها الأصلي في البحر الأحمر في مصر ويمكن رؤيتها أحيانًا في مرسى أبو دباب. يمكن أن يصل طول أبقار البحر إلى 3 أمتار ويصل وزنها إلى 500 كيلو جرام؛ ويمكنها أن تعيش أكثر من 50 عامًا. وعُرفت أبقار البحر بهذا الاسم لأنها تتغذى على أعشاب قاع البحر.

ولسلوكها الغذائي دور رئيسي في النظام البيئي البحري الساحلي الذي تعيش فيه. فيعمل الرعي المستمر للأعشاب البحرية على إعادة نموها، مما يحافظ على هذا الموطن الحيوي، كما يوفر مواقع التغذية للأنواع البحرية الأخرى، بما في ذلك السلاحف البحرية. ومع ذلك، نظرًا لبطء معدل تكاثرها وفقدان موائلها، تتقلص أعدادها وتُصنف من الأنواع الضعيفة.

في مصر، تشكل التنمية الساحلية المستمرة دون الاكتراث لأثرها البيئي تهديدًا على جموع أبقار البحر. فتحتاج هذه المخلوقات إلى كميات كافية من أعشاب البحر لتتغذى عليها؛ ولكن، الملوثات الكيميائية الناتجة عن التنمية الساحلية ينتهي بها المطاف في مياة البحر، مما يضر بنظامها البيئي الحساس ويهدد إمداداتها الغذائية. ينتهي الأمر بتأجيل أبقار البحر للتزاوج والتكاثر، مما يسبب مشكلات جمة في حجم عشيرتها وتتضاءل أعدادها بشكل كبير.

تدعم بعض المنظمات أبقار البحر في مصر، ومن بينها منظمة غير حكومية تُعرف باسم مؤسسة الغردقة لحماية وحفظ البيئة HEPCA. في عام 2007، تعاونت المؤسسة مع محافظة البحر الأحمر ووزارة البيئة لتطوير استراتيجية إدارة لحماية خليج مرسى أبو دباب. فاتفق جميع الأطراف على منع انتشار الزوارق ذات المحركات في المنطقة، حتى لا تصطدم بأبقار البحر البحر أو يتم اصطيادها في شباك الصيد. كذلك وضعوا حراس مهمتهم تطبيق استراتيجية الإدارة ورفع مستوى الوعي العام حول أبقار البحر والحاجة إلى حماية بيئتها والحفاظ عليها.


البحر مصدر رائع للأساطير وللحياة البحرية. وبينما تأسرنا القصص عبر العصور، ينبغي ألا ننسى المصدر الفعلي الذي ألهمها في المقام الأول؛ خاصة عندما تكون في حاجة ماسة إلى الحماية من التلوث وتغير المناخ اللذان يؤثران سلبًا فيه. ورغم أن حوريات البحر ليست حقيقية، إلا أن أبقار البحر حقيقية، ونحن ندين لها بالحماية.

المراجع

britannica.com

gutenberg.org

hepca.org/

instagram.com

nationalgeographic.com

oneearth.org

rmg.co.uk/

worldwildlife.org

Braham, Persephone, et alScaled for Success: The Internationalisation of the Mermaid. Edited by Philip Hayward, Indiana University Press, 2018. 

Bacchilega, Cristina, and Marie Alohalani Brown. The Penguin Book of Mermaids. Penguin Classics, 2019.

 

Cover Image by DejaVu Designs on Freepik

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية