تخيل الذهاب إلى المقهى وطلب مشروبك المفضل، فيجيبك النادل «عذرًا، هذا المشروب لم يعد متوافرًا». أليس كابوسًا أن تدرك أن فنجان سعادتك بات منقرضًا؟ لكل منا مشروب مفضل ذو نكهة مميزة، وهذه المشروبات مصدرها نباتات لها قصص كثيرة لترويها. في السنوات الأخيرة، أنشأ تغير المناخ الناجم عن الاحترار العالمي عاصفة عارمة تهدد وجود هذه النباتات، وقد حان الوقت لنسأل أنفسنا: هل يمكننا تقبل المستقبل دون فنجان القهوة؟
شجرة البن
تقول الأسطورة الشهيرة إنه في مدينة «كافا» الإثيوبية، عثر ماعز على شجرة مليئة بفاكهة تشبه التوت. ولمذاقها الطيب، أكل منها كثيرًا ثم بدأ يتصرف بشكل غير مألوف. لاحظ الراعي، واسمه «كالدي»، يقظة الماعز ونشاطه غير المسبوق، فتبع فضوله والماعز حتى عثر على تلك الشجرة السحرية، فمضغ الثمار بنفسه وأصبح يقظًا أيضًا. وليكتشف سر الشجرة، أخذ بعض ثمارها وتوجه إلى أقرب دار عبادة.
هناك، أُمر بحرق هذه الثمار على الفور لإبعاد هذا التأثير الشيطاني، ولكن كان المثير للدهشة أن فاحت من النار رائحة عطرية ملأت المكان ولا يمكن إغفالها، فصدرت أوامر أخرى بإنقاذ ما تبقى من حبات الثمار، وصب الماء الساخن عليها للحفاظ على تلك الرائحة الذكية. وعندما تذوق الحضور هذا الخليط، شعروا بالهدوء والسكينة. ومن إثيوبيا، انطلقت قوة الثمرة الحيوية كالنار في الهشيم، وتنوعت وصفاتها في جميع أنحاء العالم، وصرنا نعرفها اليوم باسم «البن أو القهوة».
ثمرات البن المصدر: Encyclopædia Britannica.
تنوعت أساطير اكتشاف شجرة البن بقدر ما توجد أنواع مختلفة من نباتاتها. فنباتات البن أشجار أو شجيرات صغيرة ذات أوراق خضراء لامعة وبيضاوية. وتُنتج هذه النباتات ثمارًا، يشار إليها عادةً باسم التوت، وبها بذرتان. تعتمد تجارة البن العالمية على نوعين من النباتات؛ إذ تأتي الحبوب السوداء والبنية من نبتة البن العربي التي تمثل 60٪–80٪ من الإنتاج العالمي، ونبتة البن القصبي أو الصلب التي تنمو في المناخ الدافئ والاستوائي حول العالم.
يُزرع البن في أكثر من 50 دولة، غالبًا في مزارع أصحاب الحيازات الصغيرة. إن درجات الحرارة ومستويات الضوء والرطوبة المحددة من المعايير المطلوبة لنمو محاصيل البن بشكل صحيح. ومع ذلك، تؤثر الظروف المناخية المتغيرة في نكهة القهوة ورائحتها في المزارع بالمرتفعات العالية، كما يرتبط التعرض المفرط للضوء بانخفاض جودتها. في الحقيقة، يجب أن تكون الجودة أقل ما نقلق حياله مقارنة باستدامة البن نفسه.
فعلى سبيل المثال، اعتادت سريلانكا أن تكون قوة عالمية للبن، ولكن كل شيء تغير عام 1869، عندما انتشر مرض يتسبب في شَقِران (صدأ) أوراق البُن ويدمر مزارعه، معروف باسم فطر هيميليا فاستاتريكس، بجميع أنحاء الجزيرة. وبعد عشرين عامًا، قتل صناعة البن في سريلانكا وبدأ في التوسع حول العالم، وفي عام 1970، ظهر في البرازيل ثم انتشر في أمريكا الوسطى وكولومبيا.
وفي الفترة من عام 2012 إلى 2013، أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى أزمة شَقِران البُن الكبرى في أمريكا الوسطى، وتدمرت أكثر من نصف المناطق المزروعة. ورغم أنه لا يوجد علاج لشَقِران البُن، فيمكن تجنبه، ولكن مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية أصبح من الصعب السيطرة على زيادة الأمراض النباتية في مزارع البن وانخفاض جودته وإنتاجه حول العالم.
حبوب البن، والبن المطحون، والقهوة سريعة التحضير. المصدر: Encyclopædia Britannica
ربما لاحظت مؤخرًا ارتفاع أسعار علامات تجارية عديدة للقهوة، وهذا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتغير المناخ. ورغم أنه قد يكون من الصعب تحديد العواقب بدقة في عصر التغير المناخي المتسارع، فمن المقبول عمومًا أن إنتاج البن بات مهددًا. فاليوم يوجد 124 نوعًا من البن معروفة للعلم، ويتوقع الباحثون أن 75 نوعًا على الأقل منها (نحو 60٪) بالعالم معرضة لخطر الانقراض! تشمل المخاطر التي تؤثر في بقاء نبات البن: إزالة الغابات، وأمراض النبات، والأهم من ذلك تغير درجة الحرارة.
ويقدر الخبراء أنه بحلول عام 2050، لن يكون نحو 50٪ من أراضي زراعة نبات البن صالحة للزراعة. فسينتج عن هطول الأمطار الغزيرة وما يتعلق بها من آفات تنجو فيها بسهولة مزيد من أمراض النبات وضرر المحاصيل. ومخاطر انقراض البن لن تعكر صباحك المعتاد فقط، بل ستؤثر في أنواع حية عديدة تدعم حياتنا وسبل عيشنا، مثل الطيور والنحل، التي ستواجه تهديدات تدمير موائلها وفقدانها، وذلك وفق دراسة صدرت حديثًا.
ومع ذلك، فليس كل الأمل مفقودًا! فبينما تقل المساحة المناسبة لزراعة البن نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، تصبح بعض المناطق غير المثالية الأخرى مضيفة للمحصول. وكذلك يدرس الباحثون حلولًا جديدة أخرى عديدة لإبطاء الانقراض، ولمساعدة مزارعي البن على مواجهة تغير المناخ. فيأملون إنشاء مجموعة متنوعة من حبوب البن مقاومة لتغيرات المناخ؛ وذلك من خلال تحسين النوع النباتي، وإعادة إنشاء أنواع من البن مقاومة للصدأ.
هذا كل شيء عن مزارعي الكاكاو الذين بإمكانهم التخطيط للمستقبل ومواصلة إنتاج مصدر حلوانا المفضلة، ولكن ماذا عنك؟ وكيف سيكون حالك دون هذه الأشجار الثمينة؟ حسنًا سأخبرك، ستبقى كما كنت كسولًا تنتظر شيئًا لن يأتي أبدًا. إن الخيارات التي نتخذها كل يوم تؤثر في حياتنا، وإن لم نر هذا التأثير في الحال. وفي بعض الأحيان نحسب أشياء كثيرة أمورًا مسلمًا بها دون أن نتأمل الأنواع المختلفة حولنا في عالمنا. فهذه الأنواع تواجه مثلنا أيضًا تهديدات تغير المناخ وتدميرَ موائلها؛ رغم أننا المسئول الرئيسي عن هذا. ولذلك تُعد التوعية والتثقيف عنصرين مهمين في مواجهة مثل هذه الأخطار. فيجب علينا أن نتعلم كيفية المساعدة على الحفاظ على هذه الأنواع التي اعتمدنا عليها لعقود وحمايتها، وذلك قبل أن تختفي في غضون عقود قليلة.
المراجع
ambius.com
britannica.com
climate.gov
delishably.com
doi.org
dw.com
espresso-international.com
iadb.org
kids.britannica.com
mashed.com
noharmdone.co
science.org
Cover Image by freepik