عندما أقرأ عن حوادث الانتحار في الصحف، أتعجب كيف يمكن لشخص أن يودي بحياته بنفسه. أنا لا أستوعب مجرد فكرة إيذاء نفسي عن عمد؛ فكيف يقدم هؤلاء الأشخاص على ذلك؟ هل يرجع ذلك إلى خلل نفسي؟ أو مشكلة شخصية؟ هل للجينات دور في هذا السلوك؟
قد يتسبب الاضطراب النفسي أو العقلي في معاناة للشخص؛ مما يجعل من الصعب ممارسة حياته بشكل طبيعي. وقد تستمر هذه الأعراض، أو تتوارى ثم تظهر مرة أخرى، أو تحدث كحدث عارض وتنتهي بعد ذلك. لقد تم التعرف على كثير من الاضطرابات التي تختلف أعراضها وعلاماتها بشكل كبير؛ ولكن الأكثر شيوعًا هي:
- اضطرابات النوم: يؤدي التقطع في أنماط النوم إلى الضيق ويؤثر في نشاط الإنسان في ساعات النهار.
- اضطرابات الأكل: تؤثر المخاوف الوسواسية المتعلقة بالوزن والأنظمة الغذائية المدمرة بالسلب في الصحة البدنية والعقلية. فقدان الشهية العصبي، والنهام العصبي، واضطراب نهم الطعام من أكثر تلك الاضطرابات شيوعًا.
- اضطرابات القلق: ترتبط تلك الاضطرابات بالخوف والقلق المفرطين والمستمرين. ويشخص اضطراب القلق عندما يكون رد فعل الشخص غير ملائم في مواقف معينة، أو إذا كان الشخص فاقد السيطرة على ردود أفعاله، أو إذا كان القلق يتعارض مع أداء الشخص.
- الاضطرابات المرتبطة بالصدمات والضغوطات: تنجم تلك الاضطرابات عن التعرض لأحداث مرهقة للأعصاب أو صادمة. والأشخاص المصابون بهذا الاضطراب عادة يكون لديهم ذكريات دائمة ومخيفة عن الحدث، وغالبًا ما يكونون متبلدي المشاعر.
- الاضطراب ثنائي الاستقطاب: يتصف هذا الاضطراب بالتغير في المزاج والتغيرات في النشاط ومستويات الطاقة. كما ينطوي على مشاعر حزن عميقة أو فترات من السعادة المفرطة، أو تقلبات بين سعادة مفرطة إلى حزن عارم. هذه التقلبات المزاجية يمكن وصفها بالهوس الخفيف.
- اضطرابات التحكم في الاندفاع: هو عدم القدرة على التحكم في المشاعر والسلوكيات؛ مما يؤدي إلى إلحاق الأذى بالشخص نفسه أو بالآخرين. من أمثلة اضطرابات التحكم في الاندفاع إشعال الحرائق، والسرقة، والقمار القهري.
- اضطرابات الوسواس القهري: الأشخاص المصابون بالوسواس القهري يعانون من مخاوف مستمرة تؤدي إلى اتباعهم إجراءات معينة. على سبيل المثال وليس الحصر، الشخص الذي يعاني من خوف غير مسبب من الجراثيم يقوم بغسل يديه بشكل مستمر.
- الاضطرابات النفسية: ترتبط تلك بتشوش الوعي والتفكير. عرضان شائعان بين مرضى الاضطرابات النفسية هما الهلوسة والتوهم.
- اضطرابات الشخصية: تتسبب الصفات الشخصية المتطرفة وغير المرنة في مشاكل للشخص في العمل، أو المدرسة، حتى في علاقاته الشخصية. بالإضافة إلى ذلك، يختلف نمط تفكير الشخص وسلوكه بشكل كبير عما يتوقعه المحيطون به.
السؤال هنا: هل للجينات دور في تلك الاضطرابات؟ هل هي تكتسب من المجتمع؟ أو تظهر بسبب تجارب شخصية سيئة؟ تشير الأدلة إلى دور الجينات الكبير في حدوث بعض الاضطرابات، في حين يتسبب المجتمع في البعض الآخر.
يقول جيفري ج. جونسون، أستاذ مساعد في علم النفس الإكلينيكي بقسم الطب النفسي بجامعة كولومبيا: «هناك نقلة نوعية في المجال الآن نحو منظور أكثر تفاعلية. أعتقد أن المجال يبتعد الآن عن فكرة علم الوراثة في مقابل البيئة؛ وهذه نقلة كبيرة».
في عام 2007، بدأت مجموعة كبيرة من الباحثين في البحث في البيانات الجينية الناتجة عن دراسات أُجريت في 19 دولة وتشمل 33.332 شخصًا مصابين بمرض نفسي، و27.888 شخصًا خالين من الأمراض للمقارنة. حلل الباحثون عينات من الحمض النووي بحثًا عن أي اختلاف في شريط المادة الوراثية الطويل. وفي عام 2013، أظهرت النتائج وجود خمسة اضطرابات عقلية تتشارك في الأعراض واختلاف حمضها النووي. تتضمن النتائج الاكتئاب، والاضطراب ثنائي الاستقطاب، واضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وانفصام الشخصية، والتوحد.
وقد لوحظ وجود تداخل كبير بين انفصام الشخصية والاضطراب ثنائي الاستقطاب، وتداخل متوسط بين الاضطراب ثنائي الاستقطاب والاكتئاب، وبين اضطراب نقص الانتباه فرط النشاط والاكتئاب، وتداخل بسيط بين انفصام الشخصية والاكتئاب. ويقول بروس كاثبرت، الحاصل على درجة الدكتوراه ورئيس قسم الأبحاث الانتقالية وتطوير العلاج للبالغين بالمركز القومي للصحة العقلية: «مثل هذه الأدلة التي تحدد عوامل الخطر الوراثية المشتركة في التشخيصات النفسية التقليدية ستساعدنا على الوصول إلى تصنيف أقرب ما يكون إلى الواقع».
أثناء الدراسة، اختبر الباحثون جينات بعض العائلات النادرة التي تسود بها الاضطرابات النفسية؛ فوجدوا بعض الاضطرابات غير العادية للكروموسومات تم ربطها بالاضطرابات العقلية. ولكن، أكثر ما أدهشهم هو أنه وبالرغم من أن شخصًا ما ذا كروموسومات شاذة قد يصاب باضطراب معين، فإنه يمكن لقريبه الحامل لنفس الكروموسومات أن يصاب باضطراب عقلي آخر.
وعلى الرغم من ذلك، فلم يتضح ما إذا كانت هذه الأسر استثناء أم أنها تشير إلى قاعدة حول اضطرابات متعددة تنشأ عن خلل وراثي واحد. فيحدث المرض العقلي عند تفاعل جينات متعددة مع عوامل أخرى، مثل الإجهاد، أو سوء المعاملة، أو حادث صادم؛ مما يؤدي إلى إصابة الشخص الذي لديه قابلية وراثية بالمرض.
بالإضافة إلى ذلك، يرجح العلماء وجود أسباب أخرى وراء الأمراض العقلية، مثل:
- بعض الإصابات الدماغية
- خلل أو إصابة بعض المناطق في المخ
- تأخر نمو مخ الطفل وهو في مرحلة الجنين
- الصدمات التي تحدث أثناء الولادة - مثل عدم وصول الأكسجين لمخ الطفل - ينتج عنه بعض الأمراض، مثل الطيف التوحدي
- الصدمات النفسية الشديدة، مثل الاعتداءات النفسية أو الجسدية أو الجنسية
- فقدان شخص عزيز، مثل فقدان أحد الوالدين
- الإهمال وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين
بمرور الوقت، سيستمر الباحثون في التوصل لأكثر من الأسباب السالف ذكرها لكل اضطراب عقلي، وذلك نقلًا عن ثيودور ميلون، عميد معهد فلوريدا للدراسات المتقدمة في علم النفس والطب النفسي. ويستطرد قائلًا إن تقليص الأسباب المحتملة سيساعد علماء النفس في العزل السريع للعامل الذي يؤثر في مريض ما. يقول ميلون: «فور تحديد السبب المحتمل الأكثر تأثيرًا، يمكنك حينها تحديد العلاج لتجنب أسباب مرض الشخص».
هل اقتربنا من اليوم الذي يكون فيه علاج الأمراض العقلية مثل علاج الأمراض المزمنة الأخرى؟ ستكشف السنوات المقبلة عن الأشياء المتسببة في الأمراض العقلية في محاولة لإنقاذ كثير من الأرواح الأسيرة في سجن الخلل العقلي.
المراجع
apa.org
bigthink.com
mindwisenv.org
nytimes.com
people.howstuffworks.com
psychcentral.com
psychologytoday.com
science.howstuffworks.com
verywell.com
webmd.com
Cover Image by pikisuperstar on Freepik