نحاول من خلال هذا الحوار إلقاء الضوء على إحدى النماذج الشابة التي لها باع كبير في مجال الاستدامة. منار رمضان مُؤسِّسة مشاركة لشركة بانلاستيك المعنية بالحدِّ من الاعتماد على المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام. التقينا بها وتحدثنا معها شخصيًّا لمعرفة مزيدٍ من المعلومات عن رحلتها.
-
ماذا كان الدافع الرئيسي وراء تأسيس بانلاستيك؟
دائمًا ما كنتُ مهتمة بالاستدامة البيئية، وكنتُ أشارك بنشاط في المجال منذ عام 2012. وبينما كنتُ أتابع دراستي للحصول على درجة الماجستير في التنمية المستدامة في نيودلهي بالهند، شهدتُ تجربة الهنود في منع استخدام المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام. في حين أنهم يواجهون تحديات مماثلة، فقد حققوا تقدمًا كبيرًا في منع استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام على مستوى القاعدة الشعبية، أي مثلًا عند التبضع في الشوارع.
وعندما عدتُ إلى مصر عام 2017، حاولتُ العثور على مبادرات تستهدف القضاء على المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام، فلم أجد أيٍّ منها. وحينها فكرت في تأسيس شركة ناشئة معنية بإقامة حملات تهدف إلى الحدِّ من الاعتماد على المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام. وفي أثناء فترة الإعداد لتأسيس المبادرة، التقيت بالمؤسسيْن المشاركيْن الآخريْن، أحمد ياسين وعبد القادر الخليجي.
في البداية، كان هدفنا الرئيسي تنظيم ورش عمل توعوية عن التلوث البلاستيكي. ولكننا أدركنا أن محاولاتنا ستكون عديمة الجدوى إذا لم تتوفر بدائل للمنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام؛ ومن هنا بدأنا تصنيع هذه المنتجات وطرحها.
-
في رأيك، ما مدى خطورة مشكلة التلوث البلاستيكي في مصر؟
إنها خطيرة جدًّا. ولنأخذ مدينتنا مثالًا؛ فالإسكندرية مدينة ساحلية تطل على البحر الذي يُعدُّ الوجهة الأخيرة للمخلفات البلاستيكية. فيؤثر البلاستيك مباشرةً في توافر الأسماك وفي أنشطة الصيد، ناهيك بمشهد الملوثات الذي قد نراه على أي شاطئ. وكذلك تجد قطع البلاستيك الدقيقة طريقها إلى أجسام الأسماك والكائنات البحرية، ومن ثَمَّ إلى الطيور التي تتغذى عليها. وحيث إننا نستهلك جميع تلك الكائنات ضمن غذائنا، فهي تمثل الوسيلة الرئيسية لدخول البلاستيك أجسامنا؛ مما قد يؤدي إلى الإصابة بأمراض هرمونية وسرطانية وأمراض الغدد.
التلوث البلاستيكي مشكلة خطيرة عمومًا، سواءً في مصر أو في أي مكان آخر حول العالم. ولكنني على يقين بأننا نستطيع أن نشهد تغييرًا كبيرًا في مشكلة التلوث البلاستيكي في الإسكندرية إذا ما وضعت اللوائح المُنظِّمة قيد التنفيذ.
-
فتوجد فرصة كبيرة للتواصل المباشر مع السكان المحليين في أثناء حملات تنظيف الشواطئ. بناءً على خبرتك، ما مدى تفهم المصريين لأعمالكم الميدانية؟
في الحقيقة، السكان المحليون لا يبهروننا على عدة مستويات فحسب، بل يفوقون توقعاتنا. فنحن دائمًا ما نفترض أن الجمهور العام لن يكون متجاوبًا معنا بالدرجة التي نأملها، أو أننا قد نواجه بعض المشكلات. ولكن على العكس، فهم يخلفون جميع ظنوننا السيئة بمجرد أن نبدأ في العمل الميداني معهم. فتجاربنا مع رواد الشواطئ العامة تحديدًا إيجابية جدًّا. فما أن يدركون المخاطر المحتملة للبلاستيك، يبدؤون الاستجابة لدعواتنا، بل يتعاونون معنا أيضًا في حملات تنظيف الشواطئ.
وهذا الشكل من المشاركة المجتمعية يلخص جميع جهودنا في التوعية بالمشكلة، ويُعدُّ الخطوة الأولى نحو إحداث تغييرات سلوكية. فإذا شارك طفل ذات مرة في حملة لتنظيف الشاطئ، فإنه سيفكر مرتين قبل تلويثه مرة أخرى.
-
هل أصبح الجمهور العام أكثر تقبلًا لمفهوم الاستدامة البيئية في الوقت الحالي، وخاصة فيما يتعلق بالاستغناء عن المنتجات البلاستيكية أحادية الاستخدام؟
إذا كنا نتحدث عن الأطفال والنشء، فالإجابة نعم، أستطيع ملاحظة تغيُّر في طريقة التفكير. عندما بدأنا تنظيم الجلسات التوعوية في بانلاستيك، لم يكن أحد يعلم أي شيء عن التأثيرات الضارة للبلاستيك. أما الآن، فمستويات الوعي آخذة في الارتفاع، بما يسمح لنا بتعميق مناقشاتنا والعمل على مستوى أعلى. وقد أسهمت الحملات التوعوية التي تطلقها وزارة البيئة مثل مبادرة «اتحضر للأخضر» بشكل كبيرة في رفع الوعي لدى الجمهور العام. علاوة على هذا، كانت لاستضافة مصر لقمة المناخ COP27 عام 2022 عظيم الأثر في تحويل انتباه عديدين إلى مفهوم الاستدامة البيئية.
-
تُعدُّ حملات تنظيف الشواطئ إحدى أنشطتكم الأساسية، والتي تقل خلال فصل الشتاء بطبيعة الحال، فما الذي تفعلونه خلال تلك الفترة؟
نقوم في بانلاستيك بثلاثة أنواع رئيسية من الأنشطة؛ هي رفع الوعي، وتطوير المنتجات، والتعاون مع الدولة فيما يتعلق بالسياسات البيئية؛ حيث نلتقي بمسؤولين في جهاز شؤون البيئة وصناع القرار وغيرهم. فيما يتعلق برفع الوعي، نقوم بما هو أكثر من حملات تنظيف الشواطئ؛ إذ نقيم ورش عمل وجلسات لبناء قدرات القادة البيئيين، ونترجم الأفلام الوثائقية البيئية الأجنبية إلى اللغة العربية، وننظم فعاليات وماراثونات خالية من البلاستيك، وأمسيات ترفيهية وغيرها. وقد بدأنا مؤخرًا العمل على إعادة إحياء الحدائق العامة، في محاولة لجعل الناس يشعرون بالتواصل مع الطبيعة مرة أخرى.
-
هل لديكم أي خطط لتوسيع نطاق عملكم خارج الإسكندرية؟
لقد أقمنا بالفعل ورش عمل في جميع محافظات مصر. ونحن نعمل بجدية في كل مكان لرفع مستوى الوعي بقضايا الاستدامة البيئية، كما نسعى إلى إعداد جيل جديد من القادة البيئيين المحتملين، الذين سيبدؤون مبادراتهم البيئية في محافظاتهم لاحقًا. لدنيا قصص نجاح عظيمة نفتخر بها في محافظتي العريش ومرسى مطروح. عندما بدأنا تنظيم الورش التوعوية هناك عام 2020، لم يكن لدى المشاركين أيُّ فكرة عمَّا نتحدث عنه. ولكن الآن توجد ثلاث مبادرات بيئية في مرسى مطروح، ومبادرة لتنظيف الشواطئ في العريش. فنحن نزرع بذور التوعية التي تأتي بثمارها بعد ذلك.
-
بعد قرابة 6 سنوات من تأسيس بانلاستيك، ما الإنجاز الأكبر الذي حققتموه؟
أشعر دائمًا بالفخر الشديد عندما ننظم المارثونات الخالية من البلاستيك؛ إذ نرى آثارها الملموسة فورًا. فنحن نتجنب استخدام ما يقرب من 400 إلى 500 زجاجة بلاستيكية في ساعة واحدة فقط، في حين أن التأثير البيئي لهذه الزجاجات أحادية الاستخدام إن استخدمت قد يستمر لـ450 عامًا. ولهذا، فنحن نستهدف هذا التهديد من خلال تركيب محطات للمياه، وتوزيع الزجاجات القابلة لإعادة الاستخدام بدلًا من توزيع التيشرتات على المشاركين.
علاوة على ذلك، وضعنا دليلًا يشمل جميع المبادرات البيئية في الإسكندرية، وأسميناه «خريطة الإسكندرية الخضراء».
-
إذا أراد شخص التطوع في بانلاستيك، ماذا يجب أن يفعل؟
إذا أراد أي شخص الانضمام للتطوع معنا، عليه أولًا حضور أيٍّ من ورش العمل التي ننظمها. نحن نسعى في بانلاستيك إلى بناء مجتمع من المشاركين الدائمين، فهكذا نستطيع إحداث التغيير. كما نطلق دعوة للتطوع كل عام في فصل الربيع.