التصميم نحو الاستدامة

شارك

تـُـعرَّف التنمية المستدامة بأنها «تلبية احتياجات الأجيال الحالية دون الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها»؛ كذلك التصميم المستدام فهو طرق وأساليب جديدة للتصميم والتشييد، تستحضر التحديات البيئية والاقتصادية بمختلف القطاعات في هذا العصر. فالمباني الجديدة تُصمم وتُنفذ وتُفعَّل بأساليب وتقنيات متطورة، تسهم في تقليل الأثر البيئي، وفي الوقت نفسه تقود إلى خفض التكاليف؛ كما أنها تسهم في توفير بيئة عمرانية آمنة ومريحة بأبعادها البيئية والاقتصادية والاجتماعية المتداخلة.

وتحقيق هذا المستقبل المستدام للناس والطبيعة أمر ممكن من خلال التكنولوجيا التي يصحبها تحولات كبيرة في أنماط الإنتاج. وسيتطلب إجراء هذه التحولات التغلب على التحديات الاقتصادية والاجتماعية، وتغيير في استخدام الطاقة. فمن أجل تلبية الطلب المتزايد على الطاقة والحفاظ على المناخ في حدود آمنة، سنحتاج إلى تغيير الطريقة التي ننتج بها الطاقة، والحد من انبعاثات الكربون والمواد الكيميائية الضارة الأخرى. ولا يمكن تحقيق التنمية المستدامة دون إجراء تغيير كبير في طريقة البناء والتصميم المعماري باستخدام الموارد الطبيعية الحيوية في البناء.

فيسعى المعماريون والمصممون اليوم إلى بناء مبانٍ مستدامة ومرنة تستخدم المواد المحلية الطبيعية؛ ويدور مجال المواد الحيوية المستدامة حول استخدام الموارد الطبيعية المتجددة لإنتاج المواد المبتكرة والطاقة الحيوية بطريقة مستدامة. والتصميم الحيوي مزيج من العلوم والهندسة من شأنه أن يقلل من الإجهاد، وأن يحسن الوظيفة المعرفية والإبداع، وكذلك يحسن رفاهيتنا ويسرع الشفاء. فمع تزايد تعداد سكان العالم في التحضر، أصبحت هذه الصفات أكثر أهمية.

فعلى المعماريين والمصممين السعي إلى الحصول على نهج محاكٍ للطبيعة Biomimetic، والتعلُّم من الأنماط الواضحة في النظم الحيوية، وعليهم أن يتمتعوا بنظرة جديدة في عالم الطبيعة التي تلهمهم الأفكار والتجارب لعمليات التصميم الخلاقة. فالبحث والتأمل المستمر في عملية تشكيل الطبيعة وما تحويه من عناصر جذابة – بما في ذلك تشكيلات الأنماط المختلفة والمتنوعة والأشكال الهندسية الأساسية وتكرارها في الطبيعة – ينشأ عنه عمق حقيقي في عملية التصميم.

والعالم يتكون من أنماط طبيعية جميلة وعملية تصنع الجمال والوظيفة في التصميم؛ فإذا فهمتها يمكنك العمل معها لتصميم وإنشاء أنظمة قوية ومرنة ومتنوعة وفعالة من حيث الطاقة. والنمط شكل وحدة نظامية متكررة واضحة أو متسلسلة لإنشاء تصميم متكرر؛ فيحتاج تشكيل النمط إلى وحدة وقاعدة لتكرارها.

ولذلك يحاول المصممون اليوم استكشاف الأسباب الفيزيائية والكيميائية الكامنة وراء الهياكل البصرية المذهلة في العالم الحي وغير الحي. وأحد أبرز هذه الأنماط نمط «ندفة الثلج»؛ هذا التماثل السداسي بستة أضعاف، ومع ذلك يبدو أن هناك مجموعة لا نهائية في داخله. ويدخل في تشكيلها عملية بسيطة؛ إذ يتجمد بخار الماء من هواء رطب لا أكثر، ولكنه بطريقة ما يصنع هذا النمط المعقد ذا التفاصيل الجميلة بشكل لا يصدق.

وفي العصور حتى القديمة، فهم البشر قوة الأنماط وجاذبيتها. فالأنماط التي تحدث في الطبيعة، مثل الفركتلات وتسلسل فيبوناتشي، صالحة لكل زمان وشاملة لكل العصور حتى اليوم. والنمط الهندسي المتكرر يتكرر بمقاييس مختلفة، ويساعد على تقليل التوتر. فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2006م أن دمج الفركتلات في الهندسة المعمارية يؤدي إلى انخفاض مستويات الإجهاد، كما أظهرت أبحاث أخرى أن مشاهدة صور النمط الهندسي المتكرر تمكن أن تقلل من الإجهاد بنسبة تصل إلى 60٪.

وهناك حاجة متزايدة لجعل المنتجات «خضراء» أكثر؛ فتوفر الموارد المتجددة مثل الخشب والمواد الحيوية الأخرى وسيلة طبيعية لتصميم وبناء منتجات مبتكرة ومستدامة لمستقبلنا. فيستلهم المصممون من المواد والتكنولوجيا المستدامة كيفية إنشاء ومعالجة المواد المستمدة من الموارد الطبيعية المتجددة، والتي تعتمد في الأغلب على النباتات. والأنماط المكتشفة حديثًا في مجال العمارة والتصميم الداخلي يرجع بعضها إلى الدور الأساسي الذي يقوم به الحاسب الآلي والذكاء الاصطناعي وعلم الأحياء. فقد أدرك المعماريون أن الأنماط ليست عناصر زخرفية، بل ملازمة للطبيعية ولما يصنعه الإنسان. فتدفع تقنيات الكاد (التصميم بمساعدة الحاسوب) والكام (التصنيع بمساعدة الحاسوب) CAD/CAM الأنماط لتشمل مجموعة أكبر من الآثار الإنشائية والبرمجية والجمالية والمادية.

توفر الأنماط إمكانات هائلة لمحاكاة التفاصيل الدقيقة في الطبيعة وتحليلها؛ فتشكل جزءًا مهمًّا من العالم الطبيعي. وبشرًا فإننا نهدف إلى التواصل مع هذه الأنماط على مستوى غريزي فطري. ولاستلهام الأنماط في العمارة والتصميم – خاصة في شكل مواد البناء الطبيعية مثل الخشب والمواد الحيوية – أثر فعال في الناس؛ فيجعلهم أكثر سعادة وإنتاجًا، وتأثير كبير أيضًا في توفير الطاقة وتوفير بيئة مستدامة آمنة.

المراجع

architectmagazine.com

cnr.ncsu.edu

curiodyssey.org

sbio.vt.edu

seas.umich.edu

smithsonianmag.com

permacultureguidebook.org

terramai.com

toolbox.biomimicry.org

C.M. Hoyos, Biomimicry in Industrial Design for Sustainability, 2010.

M. Garcia, The Patterns of Architecture, 2009.

P. Ball, Patterns in Nature, 2016.

S. Wolfram, A New Kind of Science, 2002.

R.S. Wurman, Seeing the World as Visual Patterns of Connectivity, 2009.

Cover Image by vecstock on Freepik

 

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية