شارك
بينما لم تزل النساء غير مشمولات بصورة كلية في جميع المجالات العملية، ففيما يتعلق بعلوم الكمبيوتر؛ توجد ندرة شديدة في النساء العاملات بهذا المجال. وبطبيعة الحال توجد عوامل عدة وراء ذلك؛ بدءًا من عدم تشجيع الفتيات على الالتحاق بالمجالات العلمية، وعدم توافر الأمثلة العليا من النساء ليتبعنهن، وصولًا إلى تفضيل الشركات تعيين الرجال، الأمر الذي يصعب على النساء الحصول على وظائف في شركات تنافسية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية لا يظهر سوى 0.4٪ من طالبات المدرسة الثانوية اهتمامًا بدراسة علوم الكمبيوتر في الجامعة؛ مما يدل على البدايات المبكرة للمشكلة التي يجب مجابهتها. هنا يأتي دور «فتيات التشفير» Girls Who Code، وهي مبادرة عبقرية تهدف في المقام الأول إلى إلهام الفتيات الصغيرات لتطوير اهتمامهن بعلوم الكمبيوتر. فتقوم تلك المنظمة غير الهادفة للربح بذلك بعدة طرق؛ ولكن قبل الخوض في ذلك، هيا نتعرف على ماهية التشفير.
المشفر هو مترجم يعمل وسيطًا بين لغة الإنسان ولغة الكمبيوتر؛ ولكن ما لغة الكمبيوتر؟ حسنًا، هي تتكون من رقمي واحد (1) وصفر (0)؛ حيث تسمى الشفرة الثنائية. تلك هي اللغة التي تخبر الكمبيوتر ما يجب عليه فعله؛ ولكن كيف لهذين الرقمين أن يعنيا أي شيء؟ يرجع ذلك إلى التركيبات التي تأتي تلك الأرقام على شاكلتها، وهناك الملايين والملايين من تلك التركيبات. فتتكون تلك التركيبات من مجموعات من ثمانية أرقام هي وحدات البايت؛ ولكن من لديه الوقت والصبر لإدخال هذين الرقمين مرارًا وتكرارًا حتى يعمل الكمبيوتر؟
بالطبع يوجد حل أفضل من أن يستمر شخص ما في الضغط على زري الواحد والصفر إلى الأبد؛ فهنا يأتي دور لغات البرمجة. وتأتي لغات البرمجة في مستويين: المستوى المنخفض والمستوى المرتفع. لغات المستوى المنخفض هي الأقرب للشفرة الثنائية، إلا أنها أصعب بكثير في الاستخدام؛ في حين تكون لغات المستوى المرتفع هي الأسهل في الاستخدام للبرمجة؛ لأنها مصممة خصيصًا لتكون سهلة الكتابة وأقل تفاصيل. وللغات البرمجة قواعدها الخاصة التي تملي كيفية كتابة الشفرة.
ولبناء برامج الكمبيوتر المختلفة، والمواقع الإلكترونية، والتطبيقات، يحتاج المرء لاستخدام لغات برمجة مختلفة، تأخذ بدورها ما يكتبه المشفرون لتترجمه إلى شفرات ثنائية يمكن للكمبيوتر معالجتها لبناء النتائج المنشودة. فكل ما نراه على شاشاتنا في كل مكان هو نتاج التشفير، ولذلك فإن علوم الكمبيوتر غاية في الأهمية؛ فمن البديهي إذًا أن يكون تعلم كيفية التشفير حجر أساس للعمل أخصائي كمبيوتر.
بالمعدل المشهود حاليًّا يصعب أن نتخيل أن تشغل النساء نصف وظائف أخصائي الكمبيوتر الشاغرة، وذلك بمنتهى البساطة؛ لأنه لا يوجد ما يكفي من النساء اللاتي يدرسن علوم الكمبيوتر. هذا هو بالضبط ما تحاول منظمة «فتيات التشفير» أن تجابهه؛ فإذا تعرضت طالبات المدارس لعلوم الكمبيوتر بصورة أكبر أثناء فترة تعليمهن، فستزيد فرص اهتمامهن واستعدادهن لملاحقة علوم الكمبيوتر في التعليم العالي.
فقد رأت ريشما سوجاني – مؤسسة «فتيات التشفير» ورئيستها التنفيذية – الفجوة بين الجنسين في المجال التكنولوجي، وقررت أن الوقت قد حان للشروع في تنفيذ حلول فعَّالة. فتقدم المنظمة عديدًا من البرامج لطالبات المدارس الثانوية لتعلمهن أسس البرمجة، وتطوير الجوالات، والروبوتات، وكذلك تصميم وبرمجة المواقع.
ذلك التعليم الأساسي لعلوم الكمبيوتر لا يدرب الفتيات في إطار بيئة مدرسية فحسب، بل يوفر لهن أيضًا فرصة التفاعل مع محترفين من المجال؛ وذلك بهدف الحصول على فهم واقعي له. بهذه الطريقة تتمكن الفتيات من تنمية المهارات المادية وغير المادية التي يحتجن إليها لشق طريقهن في هذا المجال. فمهمة المنظمة هي تعليم مزيد من الفتيات علوم الكمبيوتر بهدف تشجيعهن على دخول المجال في مرحلة لاحقة من حياتهن؛ وقد قامت المنظمة بالفعل بتعليم 10.000 فتاة عبر الولايات المتحدة الأمريكية، وتتمنى أن تصل إلى المزيد في المستقبل.
وتنخرط كثير من شركات التكنولوجيا في توفير الدعم لمنظمة «فتيات التشفير»، ومن بين تلك الشركات شركة إيه.تي.آند.تي (AT&T) بنيويورك، التي شاركت المنظمة منذ بدايتها. فتؤمن ماريسا شورينستين – رئيس الشركة – أن «فتيات التشفير»: «تتيح للفتيات فرصة الحصول على العمل في مجال علوم الكمبيوتر، وهو ما نعلم أنه بوابة لفرص توظيف أفضل بالنسبة لهن، ومن ثم مستقبل اقتصادي أفضل». وبتفاني منظمات مثل «فتيات التشفير» تزيد فرص تحقيق المساواة بين الجنسين في المجالات التكنولوجية في المستقبل.
المراجع
girlswhocode.com
www.microsoft.com
www.forbes.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2016.
Cover designed by Freepik