الشيكولاتة – سر السعادة لكثيرين عبر العالم – صناعة مزدهرة يُقَدُّر نشاطها بخمسين مليار دولار سنويًّا. غير أن هذا المنتج المحبوب حول العالم بدأ بداية متواضعة للغاية.
تبدأ حياة بذور الكاكاو داخل ثمرة القرنة في المنطقة الاستوائية، بشكل أساسي في المناطق النائية بغرب إفريقيا، وأمريكا الوسطى والجنوبية؛ وتتطلب تلك الأشجار الرقيقة المغطاة بالأزهار كثيرًا من العناية. عندما تتم زراعتها باستخدام الطرق المستدامة، فإنها تنمو بالتناغم في الغابات الاستوائية تحت محاصيل نقدية أخرى؛ مثل: الموز، أو المطاط، أو أشجار الأخشاب الصلبة. وعندما تنمو في المزارع العائلية الصغيرة يتم نقل بذورها من المزارع يدويًّا في عربات، أو على ظهور الحمير، أو الشاحنات؛ ليتم بيعها لمشترين محليين، ثمَّ تصديرها.
تحتوي الشيكولاتة على عديد من المركبات التي أثبتت تأثيراتها العديدة على المخ، وأغلبها تأثيرات محفِّزة للسعادة. كما أن هناك اعتقادًا واسعًا بأن الشيكولاتة تبعث بشعور من النشوة شبيهة بنشوة العدائين. وفهمنا للمركبات الباعثة للشعور بالنشوة، إلى جانب المفهوم الحديث للإدمان دفع البعض للاعتقاد في إمكانية أن يصبح المرء مدمنًا للشيكولاتة.
كيمياء الشيكولاتة
في الواقع، هناك أكثر من مركب في الشيكولاتة يمكن أن يحسن من مزاج آكلها. بدايةً، فإن أكثر العقاقير نفسانية التأثير شيوعًا في العالم موجودة في الشيكولاتة؛ فمادة 1,3,7-trimethylxanthine هي المكون الرئيسي للكافيين، وهي مادة كيميائية طبيعية. ينتج هذا المركب تأثيرًا فسيولوجيًّا محفزًا عن طريق استثارة الجهاز العصبي المركزي، والذي يزيد بدوره معدل ضربات القلب ويقلص العضلات؛ وهو تأثير شبيه باستجابة الكر أو الفكر. ويلعب الكافيين على مستقبلات الدوبامين والأدينوزين في المخ، والتي تعمل بدورها على إطلاق مواد كيميائية محفزة للسعادة.
علاوة على ذلك، تحتوي الشيكولاتة على أحماض دهنية معروفة بالكانابينويد، والتي تستهدف نوعين من المستقبلات في المخ "سي. بي. 1" (CB1) و"سي. بي. 2" (CB2) والموجودة بشكل كبير في القشرة الأمامية وفي الأجزاء المسئولة عن تأدية الوظائف والذاكرة. فعندما يصل الكانابينويد إلى هذه المستقبلات يبدأ المرء في الشعور بالثمالة والاسترخاء.
وتحمل الشيكولاته مفاجأة أخرى هي مركب الفينيثيلامين، والذي يطلق عليه "عقار الحب"؛ حيث يعمل على إطلاق نفس المواد الكيميائية التي تستحدث في جسم الإنسان عندما يحب. ينتج هذا المركب تأثيرًا مشابهًا لذلك الذي ينتجه الأمفيتامين(1)، ويصنف من المهلسات، وهي مجموعة من المواد الكيميائية المرتبطة بالهلوسة. كما أنه يسهل من إطلاق الدوبامين والسيروتونين، وهما مادتان كيماويتان محفزتان للسعادة يكون تأثيرهما أكبر إذا ما اندمجتا.
مع كل هذه المركبات الكيميائية الرائعة التي تحفز إفراز الإندورفين وغيره من الهرمونات المحفزة للسعادة، فلا يملك المرء إلا أن يتساءل لماذا لا يبحث الناس في الشوارع دائمًا عن الشيكولاتة لتحسين مزاجهم. وذلك يطرح تساؤلًا آخر: هل للشيكولاتة ذلك التأثير فعلًا؟
الشيكولاتة والمخ
الحق يقال، تتمتع الشيكولاتة بجميع المكونات اللازمة لتصطف بين المواد المخدرة؛ فلماذا إذًا لا تقنن أو تصنف من الممنوعات؟ لماذا لا تباع قوالب الشيكولاتة من خزن مغلقة في الصيدليات؟ الحقيقة هي أن كم أغلب المركبات الكيميائية المحفزة للسعادة في الشيكولاتة ضئيل نسبيًّا.
ونتيجة لتناول مشروبات الطاقة، والقهوة، والسجائر، والشيكولاتة، فإن أمخاخ البشر قد اعتادت تأثيرات تلك المواد. هذا وتعمل المركبات المستهدفة للمستقبلات في المخ والتي تطلق الموصلات العصبية المحفزة للسعادة بطريقتين. فإما أن تتقيد مع المستقبل لتجعله يطلق الموصلات العصبية، وإما أن تتقيد بموقعها فتمنع إعادة امتصاص الموصلات العصبية مرة أخرى. وبأية من الطريقتين، يكون هناك كم أكبر من تلك المادة الكيميائية في مجرى الدم.
هذه هي الطريقة التي تتبعها الشيكولاتة – أو أية مادة أخرى ذات تأثير مماثل – لتحسِّن من مزاج متناولها؛ وهي ذاتها السبب في أن الشيكولاتة لا تؤثر في حالتنا بشكل كبير. فلأن المخ يتعرض مرارًا وتكرارًا لوابل من هذه المركبات، فإن عدد المستقبلات المتاحة لتتقيد بها يقل، وتكون المتاحة أصعب في استثارتها.
إن السبب في هذه الاستجابة للمواد المخدرة هي رغبة الجسم الطبيعية لتحقيق التوازن بين جميع المواد الكيميائية الموجودة داخله طوال الوقت. وبطريقة أخرى، فمن المفترض وجود كمية معينة من الدوبامين أو أية مادة كيميائية أخرى محفزة للسعادة في الجسم؛ ولكن، عندما تفرز الهرمونات بطريقة اصطناعية نتيجة تحفيز المركبات الموجودة في الشيكولاتة أو المواد المخدرة، فإن الجسم يسعى إلى تحقيق التوازن عن طريق غلق المستقبلات المطلقة للهرمونات. نتيجة لذلك، نصبح أقل حساسية لتأثير تلك المركبات مع الوقت.
وعندما نضع الشغف العالمي بالشيكولاتة واحتياج كثير من الناس إليها في الاعتبار، فإننا نعلم أنها حتمًا لها تأثير على البعض. فربما على المرء أن يتبع نظامًا نظيفًا لكي يستشعر جميع المنافع التي تمنحها الشيكولاتة.
الشيكولاتة والمشاعر
على الرغم من أن المركبات الموجودة في الشيكولاتة قد تكون أقل كثيرًا من أن تحدث تأثيرًا على مزاج البعض، فإن هذا الطعام المحبوب لا يزال يمنحنا بعض السعادة. ومن الناحية النفسية، تعد السعادة الهدف وراء اهتماماتنا الشخصية؛ فمذهب المتعة(2) وسعينا وراءها يتضمن تناول الشيكولاتة بشكل أكيد. فعندما نأكلها نشعر بالبهجة، والارتياح، والإشباع. وهكذا، فإن تناولها سعي للحصول على المتعة؛ حيث نبحث عن البهجة وتخفيف الآلام.
وبناءً على ما ذكرناه، فإن قياس تأثير الشيكولاتة الدقيق على سعادتنا أمر صعب؛ غير أن أغلب الناس يعتقدون في وجوده. ففي الواقع، فإن حبوب السعادة المصنوعة من الشيكولاتة والتي تشبه العقاقير الطبية تباع حاليًّا. وعلاوة على ذلك، فقد انتهت دراسة كندية أجريت على العلاقة بين الشيكولاتة والسعادة بنتائج غير حاسمة؛ وذلك لأن المجموعة الخاضعة تحت الاختبار بدون تناول الشيكولاتة انتهى بها الأمر بأن تأكل مخزونها في مكان إجراء الدراسة.
بينما لا يزال على العلماء اكتشاف العلاقة بين الشيكولاتة والسعادة، فإن الدراسات قد أظهرت بعض الروابط. وقد أجريت دراسة عام 2007 على 1.367 رجل – كلهم في السبعينيات من عمرهم وينتمون إلى نفس المستوى الاجتماعي والمادي – فسألوهم عن صحتهم، ودرجة رضائهم بالحياة، ومشاعرهم؛ مثل الإحساس بالسعادة والوحدة. كما سألهم الباحثون عن نوع الحلوى الذي يفضلونه، وكان هؤلاء الذين يفضلون الشيكولاتة يستمتعون بمعدلات أقل للاكتئاب، والوحدة، وهم أكثر تفاؤلًا بالحياة.
الشيكولاتة والصحة
أثبتت الشيكولاتة أيضًا تأثيرًا جيدًا على الصحة العامة. فقد أكد الباحثون أنها مصدر جيد لمضادات الأكسدة الموجودة في الشاي؛ غير أنها تحتوي على أربعة أضعاف الكمية الموجودة به. علاوة على ذلك، فمن الممكن أن تساعد الدهون جهاز المناعة، كما تخدع بروتين السيتوكين عن طريق تقليل حساسية المرء للإصابة بالعدوى والالتهاب.
الشيكولاتة أيضًا غنية بالفينولات – وهي مضادات للأكسدة حامية للقلب – والتي تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب وتمنع المواد الشبيهة بالجلطات من التجلط في الشرايين. ولا يرفع حمض الشمعيك – وهو أحد الدهون المشبعة موجود في اللحوم الحمراء والشيكولاتة – من مستويات الكوليسترول مقارنة بالدهون المشبعة الأخرى. فالخلايا المعالجة بهذا الحمض في اللحوم البقرية والشيكولاتة تقلل من إنتاج الكبد من الدهون وتعمل على تقليل نسبة الكوليسترول الضار من الجسم.
تعرف الشيكولاتة الداكنة بأنها جذر كيميائي حر فائق القدرة على امتصاص الأكسجين. وهناك علاقة وطيدة بين مضادات الأكسدة القوية ونظرية الجذور الكيميائية الحرة والتقدم في السن، أي أن الأطعمة التي تحتوي على جذور كيميائية حرة فائقة القدرة على امتصاص الأكسجين تساعد على مقاومة أعراض التقدم في السن. فيحتوي كل مائة جرام من الشيكولاتة الداكنة على 13.120 جذر كيميائي حر فائق القدرة على امتصاص الأكسجين، مقارنة بـ 5.938 في فنجان من الفراولة و13.427 في فنجان من التوت الأزرق.
وقد أتت مقولة مميزة عن الشيكولاتة في عيد الحب عام 2008، عندما ظهرت الشيف والمؤلفة البريطانية نيجيلا لاوسون في برنامج "All Things Considered" على الإذاعة القومية العامة للتحدُّث عن الشيكولاتة. فخلال اللقاء، أعطت لاوسون العديد من الأسباب التي جعلتها تعتقد في ارتباط الشيكولاتة ارتباطًا وثيقًا بعيد الحب: "تعطي الشيكولاتة الناس إحساسًا يمكن مقارنته بإحساسهم عندما يحبون؛ فالأمر مثل الإحساس بالطيش، والإثارة، والشعور بالانجذاب. أي أننا نعطي للناس عقارًا للحب، ربما بدون أن نشعر بذلك".
المصطلحات
- الأمفيتامين: محفز قوي للجهاز العصبي المركزي من فئة فينيثيلامين يستخدم في علاج خلل قصور الانتباه وفرط الحركة ونوبات النعاس.
- مذهب المتعة: مذهب فكري يعتقد في أن المتعة هي الخير الغريزي الأوحد. ببساطة، معتنقو ذلك المذهب يسعون إلى الوصول للحد الأقصى من المتعة الخالصة (متعة خالية من الألم).
المراجع
science.howstuffworks.com
www.thestoryofchocolate.com
www.facts-about-chocolate.com
Cover image by Freepik