يُعد كتاب «إنبات المياه الخفية» لأبي بكر محمد الكرجي دليلًا ممتازًا عن إمدادات المياه الهيدروليكية. وإلى جانب موضوعه الرئيسي عن الهيدرولوجيا، فإنه يضم مناقشات لعديد من الموضوعات المتعلقة بجغرافيا الكرة الأرضية، وملاحظات مختلفة عن أنواع التربة والطبيعة، وكذلك اهتمام كبير بتقنيات مسح الأراضي.
كان الكرجي على دراية تامة بالمبادئ الهيدرولوجية، والجيولوجية، والهندسية الأساسية المرتبطة بالمياه الجوفية. فأظهر مهارات شمولية عند تصنيفه للتربة، وكيفية البحث عن المياه العذبة، والخصائص الهيدروليكية لطبقات المياه الجوفية وأنواعها المختلفة. كما أوضح كيفية استخدام عدد من أدوات المسح، ووصف تفاصيل كيفية شق ومد قنوات المياه في المناطق الجافة.
ويُعد هذا الكتاب إسهامًا أصليًّا في موضوعات جيولوجية أخرى تتعلق بالمعرفة المتقدمة بالمياه الجوفية في القرن العاشر في الأراضي الإسلامية. فاعتمادًا على دراساته وأبحاثه، كشف الكرجي عن فهم تقني لنظرية المياه الجوفية؛ حيث يعد إسهامه في هذا المجال من أقدم النصوص المعروفة التي تناقش حفر الآبار بحثًا عن المياه في الطبقات الأرضية. فنجح في تسجيل كلِّ مرحلة في كتابه على حدة؛ كما شمل معلومات عملية عن بناء شبكات للري في صورة قنوات.
وفقًا للكرجي يبدأ الكتاب بتوضيح موضوعه، ومن ثم دراسة التربة، وأنواع المياه الموجودة بها ومذاقاتها، وكيفية العثور عليها، وكذلك كيفية تنقية المياه الملوثة. ويتبع ذلك مناقشة الينابيع، والآبار، والحفر، وقياس المياه، والتعامل مع السدود.
وفي العصر الإسلامي أصبحت القنوات من أكثر الطرق فعالية في توفير المياه بالمناطق التي تفتقر إلى الاتصال المباشر بأي مصدر للمياه. نشأت تلك التقنية في شمال إيران في العصور القديمة، ومن ثم أصبح هذا النظام لمد المياه عبر مسافات طويلة واسع الاستخدام في العالم الإسلامي في العصور الوسطى حتى العصور الحديثة. فاختص الكرجي جزءًا من الكتاب بوصف كيفية مسح القنوات المنحدرة، وتأثيرها، وكيفية العمل في ظل ظروف قاسية. كما تناول أحد النقاشات بالكتاب حفر الآبار في الصخور المتعرجة، وكيفية استخدام أخشاب البناء في حماية العمال ومناطق العمل.
ختامًا، كان الكرجي رائدًا فيما يتعلق بالهياكل الجيولوجية؛ حيث استخدم نمو النباتات بصفتها مؤشرات ومحددات لمواقع احتياطي المياه الجوفية. ومن شأن استقبال وتوثيق بحث الكرجي أن يعزز من قيمته في تاريخ العلم؛ حيث تُرجم هذا الكتاب فقط إلى الفرنسية في عام 1973، وإلى الإيطالية في عام 2007، ومع ذلك، فلا توجد ترجمات كاملة له في اللغتين الإنجليزية والألمانية.
المراجع
www-history.mcs.st-and.ac.uk
www.muslimheritage.com