استخدم الإنسان الزخارف الهندسية في جميع الحضارات منذ العصر الحجري بسبب نزعته الفطرية للتجريد. وقد اكتسبت الزخارف الهندسية أهمية خاصة وشخصية فريدة في ظل الحضارة العربية الإسلامية؛ فأصبحت في كثير من الأحيان العنصر الرئيسي الذي يغطي مساحات كبيرة.
ومما لا شك فيه أنه انعكس تطور علوم الرياضيات في الحضارة الإسلامية وانتشار معارفها على الفنون الإسلامية التي يمكن اعتادها أحد المجالات التطبيقية، والتي استوعبت وعبرت بصدق عن تطور المعارف الهندسية للمسلمين. فأبدع الفنان العربي في استخدام الأشكال الهندسية، مثل: المستقيمات، والمربعات، والمستطيلات، والمعينات، والمثلثات، والدوائر المتماسة والمقاطعة، والأشكال السداسية والثمانية.
ويرجع اهتمام الفنان العربي المسلم بالزخارف الهندسية وشغفه بها إلى الفكرة السائدة حول كراهية تصوير الكائنات الحية في الإسلام؛ إذ إن شكوك الفنان المسلم في هذه المسألة جعلته ينصرف عنها، ويتجه بكل طاقته وجهده نحو الأشكال الهندسية وتطويرها وابتكار أشكال جديدة منها؛ حتى احتلت مكانة مرموقة، وامتاز بها الفن الإسلامي.
علم أم فن؟
أما «الأرابيسك»، فأقل ما يوصف به أنه «علم» أبدعه الفنان العربي وأهداه لتاريخ الفن، وهو عبارة عن سلسلة متكررة من الأشكال الهندسية والنباتية، مصحوبة بأشكال الطيور، والحيوانات، والخط العربي أحيانًا. وفي الحقيقة، لم يبتكر الفنان العربي وحدات زخرفية جديدة، بل استعمل الوحدات الزخرفية المستخدمة من ذي قبل، ولكنه استخدمها بطريقة جديدة وفريدة؛ حيث قام بتحويرها، وتوزيعها، وتنسيقها، وتكرارها لإنتاج إبداع يتناسب مع مبادئ الدين الإسلامي الذي يجد كراهة لاستخدام الأشكال الآدمية والحيوانية.
واشتهر الفنان المسلم كذلك بالفن التجريدي؛ حيث جرد الوحدة الزخرفية النباتية كالورقة أو الزهرة من شكلها الطبيعي حتى لا تعطي إحساسًا بالذبول والفناء، وقام بتحويرها في أشكال هندسية حتى تعطي الشعور بالدوام، والبقاء، والخلود. ويعتمد فن الأرابيسك على ملء فراغ السطح المرسوم برسومات لا نهائية متكررة، وكأن هناك خوفًا من الفراغ. وبتكرار الرسوم وتقاطعها يخلق الفنان إيحاءات بصرية بالعمق وثلاثية الأبعاد فيما هو في الحقيقة جسم مسطح أحادي البعد.
رمزية الأرابيسك في الإسلام
يرمز الأرابيسك لوحدة الإيمان والطريقة التي تنظر بها الثقافات الإسلامية التقليدية إلى العالم. ويُعد فن الأرابيسك أيضًا لدى الكثيرين في العالم الإسلامي رمزًا للانهائية قدرة الله الخالق عز وجل. علاوة على ذلك، فإن فنان الأرابيسك الإسلامي ينقل إحساسًا روحانيًّا جميلاً عند الإنسان إلى الأعلى. ويُعرف عن هذا الفن أنه بسيط لكن به قابلية كبيرة للإبداع، ويبعث الإحساس بالطمأنينة والهدوء، ويظهر معنى الفن والإبداع الرائع للفن الإسلامي، وأن الأمة الإسلامية أمة مسالمة فنية تحب الإبداع والفن الجميل الأصيل.
استخدامات الأرابيسك
تم استخدام زخارف الأرابيسك لتزيين المساجد، والقصور، والقباب بأشكال هندسية أو نباتية جميلة تبعث في النفس الراحة، والهدوء، والانشراح. فقد أنتج الفنان العربي جدرانًا كاملة من الأرابيسك في بعض القصور، بالإضافة لاستخدامه في زخرفة الأعمدة وتيجانها، ومنابر المساجد، والمشربيات، والنوافذ، والأبواب، والأثاث.
ويظهر في فن الأرابيسك التوافق والانسجام مع البيئة الحضارية العربية والإسلامية؛ فتسمح قطع الأرابيسك برؤية ما بخارجه، ولا تسمح برؤية ما بداخله للحفاظ على خصوصية المكان؛ كما يعطى إضاءة خافتة غاية في الجمال عندما يتخللها ضوء الشمس.
المراجع
محمد عبد العزيز مرزوق، الإسلام والفنون الجميلة، مكتبة الأسرة، 2015.
www.mawhopon.net
www.alittihad.ae