أحدثت باربرا مكلينتوك ثورة في علم الوراثة النباتية؛ حيث حصلت على جائزة نوبل في الفسيولوجيا في عام 1983 لاكتشافها «العناصر الجينية المتنقلة». فتُعد رائدة في علم الوراثة بفضل إسهاماتها العظيمة على الصعيدين التجريبي والنظري؛ وهذا ما جعل هذا العلم مهيمنًا على جميع فروع علوم الأحياء؛ بدءًا من علم الأحياء الجزيئي، ومرورًا بعلم الخلايا والتطور البيولوجي، ووصولًا إلى الطب والزراعة. اكتشفت مكلينتوك الجينات المتنقلة واستخدمتها لتثبت أن الجينات هي المسئولة عن طمس الخصائص الفيزيائية أو إظهارها. فوضعت نظريات لتفسير أسباب انتقال الصفات الوراثية أو توقفها في النباتات من جيل إلى جيل.
بدأت مكلينتوك مشوارها العلمي في جامعة كورنيل؛ حيث أصبحت رائدة في علم الوراثة الخلوية الذي كان يُعد علمًا جديدًا في ثلاثينيات القرن الماضي؛ وذلك باستخدام نبات الذُرة كنموذج للكائن الحي. وتزاوج علم الوراثة الخلوية – وهو فرع من علم الأحياء يعنى بدراسة بناء خلايا النباتات والحيوانات ووظيفتها – مع علم الجينات أصبح رسميًّا في عام 1931، عندما قدمت باربرا بالتعاون مع هارييت كريتون الطالبة بالدراسات العليا آنذاك أول دليل تجريبي على وجود الجينات مكانيًّا على ظهر الكروموسومات من خلال طرح نظرية التبادل الكروموسومي والتوليف الجيني.
على الرغم من أن توماس هانت مورغان كان أول من افترض وجود علاقة بين الصفات الوراثية وتبادل المواد الوراثية من خلال الكروموسومات، فإنه قد مر قرابة عشرين عامًا حتى أُثبتت صحة أفكاره علميًّا. ويرجع ذلك بشكل كبير إلى القيود الشديدة المفروضة على تقنيات تجارب علم الوراثة الخلوية. كان ذلك حتى تمكنت مكلينتوك من ابتكار تقنيات جديدة استطاعت من خلالها تأكيد أفكار مورغان؛ فتُعد تلك التقنيات من أكبر إسهاماتها في العلوم.
ولإدراك فكرة نموذج مكلينتوك بصورة أفضل، فلنعد أن نواة الذرة فرد واحد نشأ باعتباره بويضة حدث لها إخصاب مزدوج، من خلاله يندمج حيوان منوي واحد مع نواة خلية البويضة؛ فينتج عنه البويضة الملقحة التي تتطور إلى الجيل القادم. في الوقت نفسه، يندمج حيوان منوي آخر مع النواة ثنائية القطب لتشكيل السويداء ثلاثية الصيغة الصبغية؛ فتتشكل طبقة البروتين الخارجية المعروفة باسم طبقة الأليرون. نتيجة لذلك، قد تكون الأنسجة الملونة - أو غير الملونة حسب الحالة - التي تكوِّن طبقة الأليرون من النواة ثلاثية الصيغة الصبغية، وليست ثنائية.
استخدمت مكلينتوك النظام المعروف باسم المُنشط/ المُفرق (Ac/Ds) في الذرة، الذي اكتشفته عن طريق إجراء تجارب هندسة وراثية نمطية على نمط ظاهري غير تقليدي؛ حيث وجدت تكسيرًا يحدث في مواقع محددة على كروموسومات الذرة. وقد أطلقت على أول عنصر متحرك اكتشفته في موقع التكسير اسم «المُفرق» (Ds). في البداية لاحظت مكلينتوك وجود عنصر مستقل أطلقت عليه اسم «المُنشط)» (Ac) ينظم تحركات «المُفرق» من شأنه أيضًا أن يحث على انتقاله هو ذاته؛ ثم وجدت بعض العناصر المتنقلة يمكنها «القفز» بشكل مستقل.
وبالإضافة إلى اكتشافها العناصر الجينية المتنقلة، وتقنيات أبحاثها التي أحدثت ثورة في علم الوراثة الخلوية، كانت باربرا مكلينتوك أول عالمة تستطيع التنبؤ بماهية «علم التخلق» بشكل صحيح، وهو التغيرات الوراثية في ظهور الجينات التي لا تنتج عن تغييرات في سلسلة الحمض النووي. وقد وجدت مكلينتوك الجينات تظهر أو تطمس أثناء انقسام الخلايا المتطابقة جينيًّا؛ حيث افترضت تلك النظرية قبل معرفة التركيب الجزيئي للحمض النووي، بل قبل أكثر من 40 عامًا من بدء دراسة علم التخلق رسميًّا؛ وهو ما يزيد من ترسيخ سمعتها كمبتكرة في مجال تخصصها.
غيَّر اكتشاف باربرا مكلينتوك للعناصر الجينية المتنقلة مفاهيم العلماء حول أنماط الجينات الوراثية. وعلى الرغم من عدم تقبل هذا الاكتشاف في حينه، فإن ملاحظة باربرا لسلوك لون نواة الأليل قد أحدثت ثورة؛ حيث اقترحت أن التكرار الجيني لا يتبع دائمًا نمطًا ثابتًا. وكنتيجة لكلٍّ من التنقل الذاتي والتحرك بواسطة المُفعل في مراحل مختلفة من تطور البذور، تستطيع جينات حبات الذرة إنتاج مجموعة متنوعة من أنماط التلوين.
وبمرور الوقت، أصبح اكتشاف باربرا مكلينتوك للعناصر الجينية المتنقلة مقبولاً على نطاق واسع؛ فحصلت في النهاية على جائزة نوبل لاكتشافاتها في هذا المجال. ولا تزال تعرف إلى اليوم بتقنياتها الرائدة في مجال علم الوراثة الخلوية، وتنبؤاتها المبكرة لمفهوم علم التخلق؛ فبفضل إسهاماتها القيِّمة في هذا المجال، تعد مكلينتوك إحدى الشخصيات الرائدة في علم الوراثة الحديث.
المراجع
www.nobelprize.org
www.nature.com
www.britannica.com