كان لنظريات روث بنديكت – عالمة الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) الشهيرة – تأثير عميق في علم الأنثروبولوجيا الثقافية، وخاصة في مجالي الثقافة والشخصية. لذلك فهي تُعد شخصية محورية في هذا المجال. درست العلاقة بين الشخصية والفن واللغة والثقافة، مؤكدة على أن السمات الشخصية لا توجد بطريقة منعزلة عن المجتمع، ولا يمكن أن تكتفي ذاتيًّا.
كونها أول امرأة تقدم إسهامات عظيمة في مجال دراسات الأنثروبولوجيا، أثبتت بنديكت أن للمرأة مكانتها الفريدة ومنظورها المتطور الذي أسهم في المجال العلمي؛ تاركة إرثًا مهمًّا لخلفائها لا يمكن إغفاله في هذا المجال الذي سيطر عليه الرجال حتى أوائل القرن العشرين؛ حيث تركت مجموعة كبيرة من الأعمال التي ما زالت إلى الآن تُقرأ وتُدرس، سواء من قِبل قاعدة كبيرة من المتخصصين في الأنثروبولوجيا أو القارئين العاديين.
لم تكن بنديكت امرأة ذاع صيتها عالميًّا كعالمة للأنثروبولوجيا فقط، بل كانت متشعبة ومتعددة الاهتمامات. فقد استطاعت الهروب من قيود العلم لتصبح من المهتمين بقضايا المساواة بين الرجل والمرأة؛ كما كانت شاعرة مبدعة. بدأ اهتمامها بالكتابة والشعر منذ سن المراهقة، الأمر الذي ساعدها على إنتاج أعمال فريدة ومعقدة عن الثقافات التي درستها فيما بعد.
في عام 1923، بدأت بنديكت العمل مدرسًا في جامعة كولومبيا، وسرعان ما حصلت على درجة الأستاذية في غضون عدة شهور قبل وفاتها في عام 1948. وفي عام 1937، وبعد عام من وفاة زوجها، أصبحت المدير التنفيذي لقسم الأنثروبولوجيا بجامعة كولومبيا.
ومنذ عام 1922، انخرطت بنديكت في الأعمال الميدانية المكثفة التي عززت آراءها في مجال الأنثروبولوجيا؛ بدءًا من رحلتها إلى جنوب كاليفورنيا لإجراء دراسات إثنوغرافية (دراسة الأعراق البشرية) لقبيلة الشوشوني سيرانو بوادي مورونجو في عام 1922، وقبيلة الزوني في عام 1924، وقبيلة البيما في عام 1926، ثم قبيلة الأباتشي في الجنوب الغربي، فضلاً عن مختلف القبائل الهندية الأخرى.
أما عن أهم إسهاماتها المتميزة في مجال علم الأنثروبولوجيا، فهو نظرتها للثقافة على أنها «سلوك الإنسان في ثقافة ما، من خلال ما يسودها من قيم واتجاهات عامة». كان لاقتناعها القوي بالدراسات التطبيقية للنسبية الثقافية -دراسة ثقافة معينة أو مجموعة من البشر يكون من خلال السياق العام لتلك الثقافة- دافع قوي لتأليف كتاب «أنماط الثقافة» في عام 1934، الذي أشادت به صحيفة نيو يورك تايمز ووصفته بأنه «جيد الإعداد ومتطور بطريقة تثير الإعجاب»؛ حيث استطاع هذا الكتاب المزج بين «أربعة علوم؛ الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة في آنٍ واحد».
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، شاركت بنديكت في الحرب من خلال كتابتها عن الثقافة الأوروبية واليابانية من أجل المخابرات الحربية. وشجعتها دراستها للثقافة اليابانية على تأليف كتاب «الأقحوان والسيف» عام 1946، الكتاب الذي لاقى قبولاً شديدًا من قِبل القراء؛ حيث قدمت دولة اليابان من منظور مختلف، بكثير من التعاطف مع هذا البلد الذي خسر لتوه الحرب أمام الولايات المتحدة.
وبعد نهاية الحرب، رجعت مرة أخرى إلى أوروبا؛ لاستكمال العمل على مشروع بحثي كبير لدراسة احتلال دول أوروبا الشرقية برعاية منظمة اليونسكو. توفيت روث بندكيت في يوم 17 سبتمبر عام 1948 بسبب انسداد في الشريان التاجي، عن عمر يناهز التسعة والستين عامًا.
المراجع
www.americanethnography.com
www.britannica.com
www.nndb.com
www.encyclopedia.com