يُعد كوكب المريخ من أكثر كواكب المجموعة الشمسة جاذبية وسحرًا للبشر، بفضل لونه الأحمر النحاسي والغموض الذي يغلفه؛ لذلك فهو موضع اهتمام ودراسة العلماء لسنوات عديدة. فبالرغم من أنه الآن صحراء متجمدة فقط، فإن العلماء يعتقدون أنه قد احتوى على المياه في إحدى مراحل وجوده، مما يعني احتمالية وجود حياة على سطحه في يوم ما. هذا الاعتقاد قد تأكد بعد الكشف عن أدلة دامغة في شكل سائل شديد الملوحة يظهر في فصل الصيف على كوكب المريخ. وعلى الرغم من هذا الاكتشاف؛ فما زال المريخ غير صالح للحياة عليه، بسبب ضعف غلافه الجوي وعدم احتوائه على ما يكفي من الأكسجين.
لم يمنع ذلك البشر من التفكير في استصلاح المريخ؛ وهي عملية تحويل البيئة القاسية غير القابلة للحياة إلى بيئة قابلة لاستضافة البشر. وقد طُرِحَت فكرة استيطان البشر لكوكب آخر في نظامنا الشمسي في عالم الخيال العلمي كثيرًا من قبل. أما العلماء، فيعتقد بعضهم أن هذا الأمر يمكن تحقيقه؛ فطالما قد دبت الحياة على المريخ من قبل، من الممكن تحويل بيئته لتصبح مناسبة للحياة مرة أخرى. لذلك، فدراسة المريخ مهمة للغاية لمعرفة ماهية التغيرات الشديدة التي تعرض لها، ومن ثمَّ إيجاد وسيلة لتغيير ما قد حدث من أجل استصلاح الكوكب مرة أخرى، وذلك عن طريق رفع درجة حرارة سطح الكوكب وزيادة كثافة غلافه الجوي.
وقد قامت وكالة ناسا بتصميم المسبار «مافن» خصيصًا لدراسة الغلاف الجوي لكوكب المريخ، وأطلقته في عام 2014 بعد أن تم تزويده بالمعدات التكنولوجية اللازمة لتحليل الغلاف الجوي، وللحصول على إجابة قاطعة عن كيفية تحول الغلاف ليصبح رقيقًا بهذا الشكل. وهناك احتمالان قد تم طرحهما في هذا الصدد؛ إما أن الغلاف الجوي قد تسلل إلى الأعلى، وإما أنه قد تسلل إلى الأسفل.
فإذا كان الغلاف الجوي قد تسلل إلى الأسفل، فهذا يعني أن ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي قد تحول إلى كربونات على سطح المريخ، وقد تكون الصخور امتصته. فلو كانت عالقة على السطح، لحاول العلماء أن يبحثوا عن طرق لتحريره. أما إذا كان الغلاف الجوي قد تسلل إلى الأعلى، فهذا يعني أن ثاني أكسيد الكربون قد هرب خارج الغلاف الجوي، أي فُقد في الفضاء، ومن ثمَّ لا يمكن استرجاعه مرة أخرى. وفي 5 نوفمبر 2015 تم الإعلان عن نتائج رحلة المسبار «مافن» إلى المريخ؛ حيث تم إثبات أن ثاني أكسيد الكربون قد تسلل إلى الأعلى.
منذ مليارات السنين كان للمريخ – مثل الأرض – مجال مغناطيسي يحميه من الرياح والانفجارات الشمسية؛ الأمر الذي قد يدمر الغلاف الجوي. ونتيجة لهذا المجال المغناطيسي، كان الكوكب يحتوي على مياه وغلاف جوي سميك؛ ولكن منذ 4.2 مليارات سنة، اختفى المجال المغناطيسي تاركًا الغلاف الجوي مُعرضًا لصدمات الرياح الشمسية القوية، وانتهى الأمر بنفاد هذا الغلاف؛ مما أدى إلى تحول المريخ إلى صحراء جرداء باردة الحرارة.
فلولا وجود المجال المغناطيسي لكوكب لأرض، لأصبحنا مثل المريخ. ولرؤية أثر حماية المجال المغناطيسي للأرض فعليًّا، يمكنك الذهاب إلى أحد القطبين (الشمالي أو الجنوبي) لمشاهدة ظاهرة الشفق القطبي؛ وهي عبارة عن مجموعة من الأضواء الخلابة التي تحدث نتيجة تصادم الرياح الشمسية مع المجال المغناطيسي للأرض.
والجدير بالذكر أنه في حالة إن كان الغلاف الجوي للمريخ قد تسلل لأسفل، فسيصبح استصلاح الكوكب أسهل، أو على الأقل محتمل الحدوث عما إذا كان قد تسلل لأعلى؛ ومع ذلك فما زالت احتمالية استصلاح الكوكب قائمة وإن كانت أصعب. فلا تزال مهمة المسبار «مافن» مستمرة، ولا نعلم بعد ما قد يقوم بالكشف عنه في المستقبل، ولكنه حتى الآن استطاع أن يحقق إنجازًا رائعًا في حل لغز مكان اختفاء الغلاف الجوي للمريخ.
لمعرفة المزيد عن مهمة المسبار «مافن» وعملية استصلاح المريخ، شاهد الفيديوهات التالية:
المراجع
spaceflight101.com
www.scientificamerican.com
quest.nasa.gov