ما يجعل كوكب الأرض فريدًا بين أقرانه هو أنه يدعم الحياة. فلعصور مديدة، احتضنت الأرض في ربوعها شتى أشكال الحياة التي ازدهرت عبر محيطاتها وأراضيها وكانت موطنًا لعددٍ لا يحصى من الأنواع الحية. ولكن، كانت هناك أوقات ضربت فيها انقراضات جماعية أو أزمات حيوية كوكب الأرض لتقتل 50–95٪ من الأنواع الحية، وتتسبب في تغيرات جذرية في خصائص الكوكب الحيوية.
تحدث هذه الانقراضات عبر آلاف أو ملايين السنين، ويستلزم الأمر أيضًا ملايين السنين قبل أن يزدهر التنوع الحيوي مرة أخرى بعد كلِّ حدث. وقد استطاع علماء الإحاثة حتى الآن تحديد خمسة أحداث انقراض جماعي رئيسية عبر الأزمان الجيولوجية. وكان هذا ممكنًا من خلال دراسة قواعد البيانات وتجميعها ونمذجتها وملاحظة الحفائر التي تختفي من السجلات الأحفورية العالمية.
الانقراض الأوردوفيشي-السيلوري كان الأول في تاريخ كوكب الأرض؛ حيث حدث منذ نحو 445 مليون عام. وهو يفصل بين نهاية العصر الأوردوفيشي وبداية العصر السيلوري ويرجع بشكلٍ أساسي إلى انخفاض كبير في درجات الحرارة. قضى هذا الحدث على نحو 85٪ من كائنات العصر الأوردوفيشي. وذلك على ثلاث مراحل كانت أولاها بسبب الانخفاض السريع في درجات الحرارة. وكان سبب الموجة الثانية هو انخفاض مستوى سطح البحر بفعل التجمد، الذي قلص موطن الكائنات البحرية بشكلٍ كبير. ومع ارتفاع مستوى سطح البحر مرة أخرى في بدايات العصر السيلوري حدثت الموجة الثالثة.
ثاني أحداث الانقراض الجماعي الرئيسية كان الانقراض الديفوني المتأخر الذي حدث قبل 359 مليون عام، ويُعدُّ الأقل شدة بين الانقراضات الخمسة. ويفصل الانقراض الديفوني المتأخر بين نهاية العصر الديفوني وبداية العصر الكربوني ، وقد قضى على نحو 70–80٪ من جميع الأنواع الحيوانية ونحو 20٪ من الفصائل الحيوانية. وقد اتفق الباحثون على أن هذا الحدث نجم عن مزيج من الضغوط وليس سببًا واحدًا. فتشير الدلائل إلى حدوث ترسبات مفرطة وتغيرات مناخية سريعة واصطدامات نيازك متفجرة بالأرض ونقص شديد في المغذيات.
حدث الانقراض الجماعي الأكبر في تاريخ الكرة الأرضية – انقراض العصر البرمي – منذ 248 مليون عام، ليحدد نهايات العصر البرمي وبدايات العصر الترياسي. وقد قضى هذا الحدث على أكثر من 95٪ من الكائنات البحرية و70٪ من الكائنات البرية. علاوة على ذلك، اختفى أكثر من نصف الفصائل البيولوجية التي كانت موجودة حينها. هذا، ويرجع انقراض العصر البرمي إلى عوامل كثيرة؛ منها: اضطراب السلاسل الغذائية، والاحترار العالمي الناجم عن تفاقم أعداد الكائنات المنتجة للميثان، وحدوث تغيرات في الدورة الكربونية وثورات بازلتية.
بعد مرور خمسين مليون عام حدث انقراض نهاية العصر الترياسي ليعلن بداية العصر الجوراسي، ويقضي على 76٪ من الكائنات الحية و20٪ من الفصائل البيولوجية. ويرجح العلماء أن انقراض نهاية العصر الترياسي هو الحدث الذي سمح للديناصورات بأن تكون الحيوانات البرية المسيطرة على كوكب الأرض؛ حيث استحدث بيئات ملائمة لها. وفي الأغلب، تسببت الأنشطة البركانية المرتبطة بتصدع القارة العملاقة بانجيا – حيث يلتقي شرق قارة أمريكا الشمالية وشمال غرب قارة إفريقيا – في حدوث هذا الانقراض. فقد انبعثت كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من البراكين، متسببة في حدوث احترار عالمي وتأكسد للمحيطات.
الانقراض الجماعي الخامس كان انقراض العصر الطباشيري الثلاثي الذي حدث قبل 66 مليون عام مشيرًا إلى نهايات العصر الطباشيري وبدايات عصر الباليوجين. وكان هذا الحدث مسئولًا عن فقدان نحو 80٪ من جميع الكائنات الحية، بما في ذلك جميع الديناصورات تقريبًا وكثير من اللافقاريات. وقد طرحت فرضيات كثيرة حيرت الباحثين لقرنين من الزمان حول أسباب انقراض الديناصورات.
في بدايات ثمانينيات القرن العشرين، وضع العالمان الأمريكيان والتر ألفاريز ولويس ألفاريز «فرضية الكويكب» التي دعماها بأدلة في السجلات الصخرية؛ حيث حظيت هذه الفرضية باهتمام كبير. وتقول «فرضية الكويكب» بأن نيزكًا متفجرًا اصطدم بالأرض متسببًا في تهيج كمٍّ ضخم من الحطام في الغلاف الجوي للأرض. ونتيجة لهذا، غلَّف الظلام الكوكب وتوقفت عملية التمثيل الضوئي. وهكذا، ماتت النباتات الخضراء وتضررت السلسلة الغذائية.
في السنوات القليلة الماضية، بدأ العلماء يحذرون من أن الأرض تمر بانقراض جماعي سادس أسموه انقراض العصر الهولوسيني، وأشاروا إلى أنه قد يكون الأسوأ في تاريخ الكوكب. ولكن، هذه المرة يحدث هذا الانقراض الجماعي بسبب نشاط الإنسان فقط تقريبًا. فقد تسبب البشر في تغير المناخ وتدمير مواطن الكائنات والتلوث وتأكسد المحيطات والتمدد الحضري وتعرية التربة؛ وهذا ما أدى إلى خسارة عشرات الأنواع الحية يوميًّا.
على جنس البشر أن يراجع ممارساته المدمرة للتنوع الحيوي. فيتكاثر بنو البشر بمعدل 100 مليون فرد سنويًّا وقد يبدون بمأمنٍ من خطر الانقراض. ولكن، علينا أن ننتبه إلى أن بقاء الأنواع الحية لا علاقة له بأعدادها، بل يعتمد على استدامة جميع الكائنات الأخرى وسلامتها.
*المقال منشور في مجلة كوكب العلم المطبوعة، عدد صيف 2017.
المراجع
britannica.com
bbc.co.uk
voices.nationalgeographic.com
sciencedaily.com