«عندما كنت أمتلك حيوانات في السيرك لم يكن باستطاعتها النوم ليلًا؛ فعرفت أن ثمة شيئًا كان خطأً. لذلك استحدثت الألعاب الأكروباتية وأصبح سيركي مشهورًا بها. لا تحتجزوا الحيوانات في الأقفاص!». مالكولم فلينتش، صاحب سيرك.
تُحرم الحيوانات في الأسر من كلِّ شيء؛ حيث تعجز عن فعل ما هو فطري ومهم لها. فلا تقوم بالبحث عن الطعام والماء؛ وإنما تعتمد على مالكيها لتلبية احتياجاتها؛ وهذا يؤدي إلى إصابتها بإعاقات بدنية وعقلية. وينتهي بها الأمر باكتساب سلوكيات غير طبيعية، أو الإصابة بأمراض كثيرة، حتى الموت. هذا، وتظهر هذه السلوكيات غير الطبيعية نفسها في صور نمطية متكررة ليس لها أسباب واضحة؛ مثل: التواء الرقبة وعض القضبان والتقيؤ والتجشؤ والدوران وتمايل الرأس. ويُصطلح على سلوكيات الحيوانات غير الطبيعية الناجمة عن الأسر بـZoochosis»».
ويمكننا ملاحظة تأثير الأسر في الأفيال؛ فهي حيوانات اجتماعية بطبعها تحب أن تعيش في جماعات تحمي أفرادها، وأن تلعب معًا وتتشارك في تحمل المسئوليات. الأم مثلًا ترعى جميع الصغار وليس صغارها فقط؛ وهذا ما يجعل الأفيال من أفضل الأمهات في المملكة الحيوانية.
وقد تتعجب كيف لمثل هذا الحيوان الضخم أن يُؤسر في حدائق الحيوان مقيدًا بسلسلة صغيرة مربوطة حول كاحله. عندما يكون الفيل يافعًا يربط المالك كاحله في شجرة كبيرة، ويظل الفيل الصغير يحاول تحرير نفسه ولكنه يفشل نظرًا لصغر حجمه مقارنه بحجم الشجرة. يستمر الفيل في محاولة فك قيده حتى ييأس ويؤمن بأن أي سلسلة تُربط حول كاحله ستحول دون هروبه. فيظل هذا الاعتقاد راسخًا، حتى بعد أن يكبر ويصبح حجمه أكبر من حجم مالكه بمئات المرات.
في بعض السيركات تُؤخذ الأفيال المولودة من أمهاتها وتُعاقب حتى تقدم فروض الطاعة؛ حيث يستخدم المدربون عديدًا من الأساليب والأدوات العنيفة لتدريبها على تأدية عروض السيرك. وتشمل هذه الطرق العنيفة وخز جلودها الحساسة بأداة حادة تستخدم في تدريب الأفيال، وأيضًا تجويعها حتى تؤدي الحركة المطلوبة. ويستخدم المدربون أيضًا الصاعق الكهربائي الذي يسبب الألم بدون ترك أي علامات ظاهرة للإصابة. هكذا، يتعلم الحيوان أن عدم تأديته لهذه الحركات عديمة المعنى سيؤدي به إلى تلقي صعقة مؤلمة. على صعيد آخر، يكون لأخذ الأفيال الصغيرة من أمهاتها تأثير مدمر فيها؛ حيث تشعر الأمهات بالاكتئاب والحسرة وهي تشاهد أطفالها تؤخذ منها وهي عاجزة عن حمايتها.
وعلى الرغم من التدريبات التي تتلقاها، فإن الأفيال الذكور عدوانية بالفطرة، ويمكن أن تمثل خطرًا كبيرًا على البشر والحيوانات الأخرى، وإن كانت مستأنسة. وحالة الإثارة الشديدة تلك حالة دورية يُصطلح عليها بـ«Musth»، وهي تغيير في سلوك الفيل الذكر قد يستمر لأسابيع أو شهور نتيجة لإفراز كمية كبيرة من هرمون التستوستيرون. تعجز الأفيال في هذه الفترة عن تحمل أي ضوضاء أو حركات فجائية حولها؛ حيث تكون متوترة للغاية. وهي أيضًا لن تستجيب لأوامر حارسها المعتادة، بل قد تهاجمه أيضًا. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية وراء حجز الأفيال الذكور في إسطبلات خاصة لا تسمح بأن تكون على اتصال مباشر بحارسها.
ولا يقتصر السلوك العدواني على الذكور فقط، بل قد تصبح إناث الأفيال عدوانية أيضًا. فلا يسعنا أن ننسى الحادثة الشهيرة لإعدام أنثى الفيل توبسي التي خرجت عن السيطرة وقتلت مدربها وشخصين آخرين. بدأت القصة بقتل توبسي لمدربها عندما قام بحرق حافة خرطومها بسيجارته. وقد عوقبت بالصعق الكهربائي في لونا بارك بمدينة نيويورك أمام جمع من الضيوف والمراسلين الصحفيين. لا يستطيع أحد إنكار أنها كانت ضحية لسوء المعاملة بغرض التدريب، وأنها قد عانت كثيرًا عندما سيقت بعيدًا عن قطيعها وموطنها الطبيعي لتحتجز في الأسر.
قد يؤدي أسر الحيوانات أيضًا إلى إصابتها وإصابة مالكيها نتيجة للمخاطر المتعلقة بالنظافة. بصورة مماثلة، يتعرض الدجاج المستأنس والطيور البرية إلى ضغوط داخل الأقفاص وقد تتضرر أجنحتها نتيجة عجزها عن تمديدها أو التحليق بها. وإن قمنا بمقارنة إنتاجها مع إنتاج الطيور المحتجزة التي تتمتع بحيز كافٍ للطيران، فإننا سنلاحظ كفاءة إنتاجية أعلى بتكلفة أقل. ويعتقد كثير من المزارعين العاملين على نطاق واسع أن حيواناتهم تمرض أقل من الحيوانات الحبيسة في الأقفاص بنسبة 20٪.
باختصار، عليك قبل احتجاز أي حيوان في الأسر أن تفكر فيه وفي حقوقه؛ حينها ستدرك أن الحيوانات البرية قُدِّر لها أن تعيش في البرية.
المراجع
bornfree.org.uk
en.upali.ch
onegreenplanet.org
peta.org
petakids.com
smithsonianmag.com
thebell.global2.vic.edu.au
*هذا المقال منشور في مجلة كوكب العلم المطبوعة، عدد خريف 2017.