طالما كانت الاختلافات في القدرات العقلية بين البشر بصفة عامة، وبين النساء والرجال تحديدًا، مثارًا للجدل بين الباحثين والعلماء. والأسس المعرفية والبيولوجية للاختلافات في القدرات العقلية قيد الاستكشاف، إلا أنها غير مفهومة حتى الآن. فهنالك «عامل عام» متحكم في كلِّ القدرات العقلية وهو ما يُطلق عليه «الذكاء العام»، والذي يمكن اعتباره «القوة العقلية»؛ حيث يعتقد بعض العلماء أنه سمة ثابتة، في حين يعتقد آخرون أنها سمة مرنة قابلة للتغيير، ويعتقد البعض الآخر أنها القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة بالفرد.
هناك من يعتقد أن القدرات العقلية تتلاشى مع مرور الوقت. فقد تم إجراء بعض الاختبارات على عدد من الجنود الكنديين أثناء خدمتهم في الحرب العالمية الثانية، ثم تم إعادة هذه الاختبارات عليهم بعد حوالي أربعين عامًا، وبناءً على هذه الاختبارات، فقد ثبت أن القدرات المعنية بالمعلومات والمعرفة المحفوظة أكثر استقرارًا من القدرات المعنية بالتفكير تحت ضغط. ومع ذلك، ففي وقت لاحق، جزم علماء النفس أن الإنسان بإمكانه أن يحافظ على مستوى قدراته العقلية أثناء العيش في بيئة معقدة تقوم بتحفيزه فكريًّا، وذلك بمرونة شخصيته، وذلك مع الحفاظ على سرعة معالجة المعلومات.
يعتقد مناصرو حقوق المرأة أن أية اختلافات نفسية بين المرأة والرجل - سواء في الاهتمامات، أو القدرات العقلية، أو العواطف - سببها التكيف الاجتماعي، وليس لأسباب جينية. فتشير الدراسات إلى وجود اختلافات طفيفة في القدرات العقلية العامة للرجل والمرأة؛ فيختلفون في طريقة معالجة عقولهم للغة، والمعلومات، والعواطف، والإدراك، إلا أن هذه الاختلافات لا ترتبط بالاختلافات في مستوى الذكاء.
استكشف العلماء أربعة اختلافات رئيسية في عقول الرجل والمرأة: كيمياء المخ، وعمله، وتكوينه، ونشاطه. فاستخدموا بعض التقنيات الطبية، مثل الأشعة بالرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية، للبحث في اختلاف حجم مكونات بنية المخ، مثل المادة الرمادية والمادة البيضاء، بالإضافة إلى استكشاف مستويات النشاط الفسيولوجي والعصبي في مختلف مناطق المخ.
تحتوي المادة الرمادية على معظم أجسام الخلايا العصبية في المخ، وهي المسئولة عن التحكم في العضلات والإدراك الحسي، مثل الرؤية، والسمع، والذاكرة، والمشاعر، والتحدث. ومن ناحية أخرى، فإن المادة البيضاء عبارة عن مجموعة من الألياف العصبية التي تنقل الإشارات في الجهاز العصبي، والمسئولة في الأساس عن ربط المادة الرمادية بكل مراكز المعالجة الأخرى.
وقد ثبت أن حجم مخ الرجل أكبر من حجم مخ المرأة بحوالي 8-13٪؛ ومع ذلك، فهذا الفارق في الحجم لا يؤثر إطلاقًا في الذكاء. وتشير بعض الدراسات الأخرى إلى أن المنطقة الأمامية من القشرة المخية ومنطقة الفص الصدغي من القشرة المخية أكثر تنظيمًا وأكبر في الحجم عند النساء. وعلى صعيد آخر، فالمادة الرمادية أكثر في مخ الرجال بحوالي 6.5 مرات من النساء، في حين إن المادة البيضاء أكثر في مخ النساء بحوالي 9.5 مرات من الرجال؛ الأمر الذي قد يفسر تمكن النساء من أداء أكثر من مهمة في وقت واحد، في حين يتفوق الرجال في المشروعات المرتكزة على أنشطة محددة.
علاوة على ذلك، يميل الرجل إلى استخدام النصف الأيسر من المخ بشكل أفضل، في حين تميل النساء إلى استخدام النصفين الأيسر والأيمن للمخ بشكل متساوٍ. وغالبًا ما يكون مركز الذاكرة في المخ - الحصين - أكبر عند النساء؛ كما أن هناك كثافة كبرى في الروابط العصبية المتصلة بمركز الذاكرة في النساء. وتوجد مراكز لفظية على جانبي المخ عند النساء، في حين إن المراكز اللفظية عند الرجال موجودة في النصف الأيسر من المخ فقط؛ لذلك تحصل النساء على درجات أعلى في اختبارات الذكاء المرتبطة بالمهارات الاجتماعية المعرفية، وسرعة الإدراك الحسي، ومهارات الذاكرة، والاستخدام اللفظي.
الصبيان أكثر عرضة للإصابة ببعض الإعاقات التعليمية من الفتيات؛ فقد وجد الباحثون أن عدد الصبيان الذين يعانون من مشاكل في القراءة واللغة أكبر. كما أن الصبيان أكثر عرضة للإصابة بمرض التوحد واضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة ومتلازمة توريت. مع ذلك، يحصل الرجال على درجات أعلى في اختبارات الذكاء المتعلقة بالمهارات المتخصصة، مثل الوعي المكاني، والمهارات الحركية، والإمكانيات الخاصة بالرياضيات. وهناك منطقة في المخ تُسمى بالفص الجداري الأدنى، وهي أكبر بكثير في الرجال وخاصة في الجانب الأيسر؛ فيُعتقد أن هذه المنطقة تتحكم بالقدرات العقلية في الرياضيات، وهذا ما يفسر السبب وراء تفوق الرجال على النساء في المسائل الحسابية.
لا تستطيع اختبارات الذكاء والاختبارات العقلية قياس الذكاء بدقة؛ ومن ثَمَّ، من الصعب إثبات صحة وجود اختلافات في الذكاء أو القدرات العقلية بين الرجل والمرأة من عدمه. علاوة على ذلك، لكل قاعدة شواذ؛ فهناك نساء يمتلكن مهارات مكانية جيدة، وهناك رجال يتفوقون في اللغة والمهارات الكتابية.
المراجع
www.webmd.com
www.theguardian.com
*المقال منشور في مجلة كوب العلم، عدد النساء والعلم (ربيع 2016).