لقد فاض الكيل ونفد صبرك عزيزي القارئ جرَّاء زيارة تلك الكائنات العجيبة في هذه الليلة الغريبة. والآن، وفي سرد الحلقة قبل الأخيرة لا بد وأن نضع – أنا وأنت – حدًّا لهذا الأمر. إن الشيء المسلم به هو أن هذه المخلوقات الثلاثة على علم كبير بما يحدث على كوكب الأرض، والأمر الثاني أنهم ودودون لأقصى درجة ولا خشية منهم أو من سلوكهم، والأمر الثالث هو أنك قد تعودت عليهم وعلى الحوار معهم؛ وهذا واضح من الحلقات الست السابقة من هذه السلسلة. ولكن ما نهاية ذلك الأمر؟ فقد أوشك الصباح، وسوف يبزغ نور شمس النهار الجديد.
خلاصة الأمر في تلك المخلوقات أنها عاقلة، وذكية، ومتطورة، ومتحررة، وقادمة من كوكب بعيد، كانوا قد أعطوك وعدًا بأن يخبروك عن اسمه ومكانه. وبعد أن تقوم بإسكات المنبه الذي لفت صوته انتباههم تنظر إليهم مندهشًا، وبخاصة عندما تدخل أشعة الشمس من ثنايا شباك غرفتك على أجسادهم وتنفذ منها دونما أي تأثير. تسأل نفسك من جديد؛ ما هذا؟ أيعقل هذا الذي حدث؟ أم أن ما أراه مجرد تهيؤات؟ إذ يفترض أن الضوء يصنع لأجسادهم ظلًّا على الحائط، وهذا لم يحدث. فتسأل الطويل جدًّا: "اسمح لي..." فيبادرك هو بالسؤال: "اسمح لي أنت أولًا؛ ما هذا الصوت الذي صدر من هذا الشيء الصغير الموجود بجوارك؟" فتجيبه بتلقائية: "إنه صوت المنبه الذي يعينني على الاستيقاظ من نومي كل صباح".
"ولكن، أخبرني لماذا لم يتكون ظلٌّ لكم على الحائط من ضوء الشمس؟ أو على الأرض من ظل المصباح؟" فيجيبك البدين جدًّا: "وماذا تقصد بتكوُّن الظل؟" فيجيبه عنك الطويل جدًّا: "الظلال يا رفيقي هي تلك الخيالات الداكنة التي تتكون على شيء ما عندما يسقط ضوء عليه". فيرد عليه البدين موافقًا رأيه: "نعم فهمت". ثم يعقب على كلامه وهو ينظر ناحيتك: "الظلال يا صديقنا تتكون لأسباب عديدة، أهمها هو أن يسقط الضوء على جسم مادي مصمت. أما نحن فكائنات – كما أخبرناك سابقًا – لدينا طبيعة خاصة قد تعتبرونها أنتم على كوكب الأرض خارقة".
يحاول القصير جدًّا التدخل في الحديث فتوقفه أنت قائلًا: "أرجوكم لا داعي للاسترسال فأنا أريد أن أضع حدًّا لما نحن فيه الآن، ولا بد لي من أن أذهب إلى عملي، وأنتم حتى هذه اللحظة لم تخبروني عن سبب زيارتكم ولا عن الكوكب الذي قدمتم منه". يجيبك على الفور القصير جدًّا: "لقد طلبنا منك أن تدلنا على مكان نخاطب منه أهل الكوكب ولقد انحرف بنا الحديث أكثر من مرة عن موضوعات كثيرة. هيا أخبرنا عن مكان مناسب نقوم فيه بالكشف عن هويتنا وإيصال رسالتنا من خلاله لأكبر عدد من سكان كوكبكم العامر بالحياة".
تبرق في ذهنك فكرة ذهبية على الفور، وهي أن تقوم بتسجيل صورهم وحديثهم إليك، ومن ثم تقوم برفع هذه التسجيلات على شبكة الإنترنت؛ فيشاهدها أكبر عدد من الناس كما يطلبون. ولكن عندما تخبرهم بأن يستعدوا للتسجيل تعود الكرَّة من أولها؛ فيسألك البدين جدًّا سؤالًا استنكاريًّا: "عفوًا يا صديقنا، إن هذا الحل لا يجدي معنا. فإذا قمت بتصويرنا، فلن تستطيع رؤيتنا؛ لأن أجسادنا عصيَّة على التصوير كما هي عصيَّة على تكوين الظلال كما رأيت".
ترد عليه وقد ازدادت حيرتك: "وماذا عساني أن أفعل لكي تقوموا بمخاطبة سكان الكوكب؟" فيجيبك الطويل جدًّا: "اكتب عنا يا صديقنا في مكان يقرؤه عدد كبير، أو قم بإرسال أخبارنا وصفاتنا إلى نشرات الأخبار". يعقب القصير جدًّا على هذه الفكرة: "نعم، أرسل إلى نشرات الأخبار ومواقع الإنترنت بعد أن تقوم بالترجمة إلى جميع اللغات، ثم أخبر أصدقاءك ومعارفك أن يتناقلوا هذه الأخبار؛ فيزداد بذلك عدد المتابعين لنا ولأخبارنا". تحك رأسك، تعجبًا.
هل يعقل هذا الكلام؟ ومن سيصدقني؟ بكل تأكيد سيقولون عني مجنون أو خيالي – فجأة – قد أصبح خصيبًا. "أنتم لا تعرفون أصحابي ولا أصدقائي جيدًا؛ فالناس لا يؤمنون إلا بالأشياء المادية التي يرونها بأعينهم ويسمعونها بآذانهم. لقد اختفى عصر النبوءات والكلام عن الأشياء الغيبية التي تحتاج إلى التصديق بدون مشاهدة. ولكن، اسمحوا لي – وبسرعة، فقد داهمني الوقت – لماذا تريدون أن توجهوا كلامكم لكلِّ سكان الكوكب؟ ألا يكفيكم واحد من هذا الكوكب؟ فها أنا أمامكم، عرفتموني وعرفتكم، وصبرتم عليَّ وصبرت عليكم، ولم أخشكم وقضيتم معي ليلة بأكملها في غرفتي. ماذا تريدون أن تخبروا به الناس؟ ما السر الذي وراء رغبتكم؟ أخبروني .. أخبروني.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة والأخيرة.
رسوم محمد خميس.
الحلقة منشورة في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2015.