خلال تجربتي بالتدريس عاصرت أكثر من مائتي طالب تتراوح أعمارهم من الخامسة إلى الثامنة. ولا أستطيع القول بأن جميع طلابي كانوا من المتقدمين دراسيًّا؛ بل تعاملت مع طلاب يحتاجون إلى مساعدة شخصية للقيام بوظائفهم في الفصل اشتكى آباؤهم من عدم قدرتهم على القيام بواجباتهم المنزلية بمفردهم، أو الذين يواجهون صعوبة في القراءة أو في حل المسائل الرياضية. ولا يعني ذلك أن هؤلاء الأطفال أقل ذكاءً؛ إلا أنهم يعانون من مشكلات تُصعِّب من عملية التَعَلُّم بالنسبة لهم فتعرقل عليهم اللحاق بزملائهم.
تلك المشكلات، التي تعتبر من الاضطرابات أو الإعاقات التعليمية، تؤثر في قدرة العقل على استقبال المعلومات، أو معالجتها، أو تحليلها، أو تخزينها. ولا يعرف الباحثون بدقة الأسباب وراء تلك الاضطرابات؛ إلا أنها تبدو مرتبطة بالاختلاف في تركيبات المخ أو اختلال الجهاز العصبي المركزي. وقد تكون تلك الاختلافات جينية، أي أنه يمكن توارثها مثلها مثل عديد من الصفات الأخرى التي تورث من الآباء والأجداد؛ كما يمكن أن تكون بسبب مشكلات تحدث أثناء الوضع أو الحمل.
وهناك بعض العلامات المشيرة إلى اضطرابات التعليم التي يمكن للمدرسين والآباء ملاحظتها؛ مثل: الصعوبة في التحدث، أو القراءة، أو الكتابة، أو حل المسائل الحسابية، وكذلك صعوبة اتباع التعليمات وتذكر ما قيل لهم، بالإضافة إلى عدم الانتباه في الفصل. وهناك أنواع متعددة من الاضطرابات التعليمية، والتي من شأنها التأثير في الأشخاص بصور مختلفة. والاضطرابات الأكثر شيوعًا هي:
خلل الكتابة
هو إعاقة تعليمية تؤثر في كيفية اكتساب الأطفال للغة المكتوبة ومدى استخدامهم للغة للتعبير عن أفكارهم. وهذه الإعاقة ليست نتيجة لضعف فكري، كما لا تعتمد على قدرة الطفل على القراءة. ففي رأي الباحثين قد يحدث خلل الكتابة جرَّاء المشكلات الكامنة في الترميز الهجائي، وهي عملية تفنيد الكلمات المكتوبة في الذاكرة العاملة أثناء تحليل الحروف التي تشكل الكلمة أثناء تعلمها.
والخط السيئ لا يعني أن الطفل يعاني خللاً في الكتابة؛ فالأطفال المختلون كتابيًّا قد يعانون من تشنج في أصابعهم أثناء كتابة المداخلات الصغيرة، كما قد لا يكملون الفروض الكتابية بصورة مقروءة، أو بطول ومحتوى مناسبين، أو في نطاق زمني محدد. وتشمل علامات الخلل الكتابي وأعراضه الأخرى: البطء في الكتابة أو النقل، وعدم التناسق في المسافات بين الكلمات وبعضها أو الحروف وبعضها، والخلط بين الحروف، والإمساك المرتبك بالقلم، والأخطاء الإملائية المتعددة، وكذلك تخطي بعض الكلمات في الجُمَل أو عدم كتابة الكلمات بشكل كامل.
فلا يمكن أن يكون الحل الأوحد هو تفادي الكتابة كُليةً عن طريق استخدام الكمبيوتر، مهما كانت شدة الخلل الكتابي لدى الطالب. وقد يشمل علاج خلل الكتابة معالجة الإعاقات الحركية؛ للمساعدة على التحكم في حركات الكتابة. ويمكن للطلاب التدريب على كتابة الحروف والأرقام في الهواء باستخدام الحركات الكبيرة للأذرع؛ لتحسين الذاكرة الحركية لتلك الأشكال الهامة.
وعلى المدرسين أن يُشَجِّعوا الأطفال على الإمساك السليم بالقلم، وكذلك الوضعية الجسدية السليمة، ووضعية الورق أثناء الكتابة. فمن المهم للغاية غرس تلك الأمور في أسرع وقت ممكن؛ لأنه يصعب على الطلاب ترك العادات السيئة فيما بعد. ويمكن للطلاب الذين يعانون من خلل الكتابة التدريب من خلال المهام التي تخلو من الضغط؛ مثل كتابة الخطابات أو اليوميات، أو كتابة قوائم المشتريات.
جدير بالذكر أن الأوراق ذات السطور المرتفعة أو مختلفة اللون تساعد على تشكيل الحروف في الأماكن الصحيحة. كما يمكن أن تدعم المسجلات عملية أخذ الملاحظات كعنصر مساعد للاستعداد للفروض الكتابية. ولهؤلاء الذين يكتبون ببطء يمكن للمدرس أن يجعل الطالب يستكمل المهام في خطوات صغيرة عوضًا عن إتمامها مرة واحدة.
الخلل الحسابي
الأشخاص الذين يعانون هذا النوع من الاضطرابات التعليمية يواجهون صعوبة في فهم الأرقام، وتَعَلُّم التعامل معها، وتَعَلُّم الحقائق الرياضية. ويجزم الباحثون أن الخلل الحسابي ينتج عن اختلاف في تطور المخ ووظيفته، واختلاف هيكل بعض أجزاء المخ؛ حيث ترتبط تلك المناطق في المخ بالتَعَلُّم والذاكرة.
يمكن أن يكون الخلل وراثيًّا؛ فقد وجد الباحثون أن الطفل المصاب بالخلل الحسابي غالبًا ما يعاني أحد والديه أو أحد إخوته من نفس الخلل. وتُظهر الأبحاث أيضًا أن الخلل الحسابي قد ينتج جرَّاء إصابة أجزاء معينة من المخ؛ الأمر الذي يتسبب فيما يطلق عليه الباحثون "الخلل الحسابي المكتسب".
تتراوح أعراض الخلل الحسابي من طفل لآخر، كما يمكن أن تظهر في شكل مختلف في كل مرحلة عمرية. ويمكن اكتشاف الخلل منذ سن ما قبل المدرسة، عندما يتأخر الطفل في العد، أو عندما يواجه صعوبة في تذكر الأرقام ويتخطى بعضها عند العد، بالإضافة إلى صعوبة تحديد أي الرقمين أكبر، وكلها علامات تدق ناقوس خطر الخلل الحسابي.
ومن الأعراض الأخرى لهذا الخلل الخلط بين العلامات الحسابية – الزائد (+)، والناقص (-)، والقسمة على (÷)، والضرب في (x) – وفهم وظائفها، وكذلك صعوبة فهم مبادئ القيمة المكانية، والكمية، ومستقيمات الأعداد، والقيم الإيجابية والسالبة، والكسور، بالإضافة إلى صعوبة فهم المسائل الكتابية وحلها. كما يواجه الطلاب المصابون بالخلل الحسابي صعوبة في فهم المبادئ المتعلقة بالزمن؛ مثل: الأيام، والأسابيع، والأشهر، والمواسم، وكذلك التعاملات المالية.
وقد يتخلف الأطفال المصابون بالخلل الحسابي مبكرًا في المدرسة، كما قد يصابون بالتوتر أو الكراهية الشديدة للرياضيات؛ لذلك يجب اتباع بعض الاستراتيجيات العلاجية من أجل تحسين مهارات الطالب الحسابية. فيمكن للمدرسين أو الآباء استخدام الرسوم التوضيحية ورسم الصور للمسائل الكتابية لتبسيط المبادئ الرياضية.
ومن شأن الألعاب المرتبطة بالرياضيات أيضًا مساعدة الطفل على المرح والشعور بالراحة أكثر في تعامله مع الرياضيات. ولا يجب إعطاء الأطفال المصابين بالخلل الحسابي فروضًا رياضية كثيرة؛ حتى لا يشعروا بالضغط ويفقدوا التركيز أثناء حل المسائل.
لا يجب الخلط بين الإعاقات التعليمية وغيرها من الإعاقات؛ مثل: التوحد، أو اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، أو الاضطرابات السلوكية الأخرى، على الرغم من أن تلك الاضطرابات من شأنها أيضًا أن تؤثر في قدرة الطفل على التَعَلُّم ومتابعة العملية التعليمية بصورة طبيعية.
وإحدى الخطوات الهامة هي فهم الصعوبات التي يواجهها الأطفال في التَعَلُّم والأخذ في الاعتبار كيفية تأثيرها في قدرتهم على التواصل، ومهاراتهم في مساعدة أنفسهم، واستعدادهم لتقبل الانضباط، وتأثير ذلك في اللعب، والقدرة على الاستقلالية. فيمكن للآباء المساعدة على التقييم والعمل مع المحترفين والمدرسين على القيام بذلك التقييم والاختبارات التعليمية اللازمة لتوضيح وجود اضطراب تعليمي من عدمه.
كما يمكن للآباء العثور على استراتيجيات مختلفة للعمل مع أبنائهم غير تلك المذكورة سابقًا. ولذلك يتحتم على الآباء مراقبة أبنائهم وأخذ الملاحظات لمشاركتها مع المدرسين والمعالجين؛ للعثور على أفضل الاستراتيجيات والدعم لأطفالهم. فكلما تحركت سريعًا تحسنت فرص طفلك في الوصول إلى أقصى قدراته.
المراجع
www.webmd.com
www.nichd.nih.gov
www.mayoclinic.org