منذ أن بدأ الإنسان رحلاته إلى الفضاء في 1961 وأصبح يوري جاجارين أول إنسان يدور حول الأرض، حلم كثيرون بالسفر إلى الفضاء أو القمر أو أبعد من ذلك. ولكن قد يكون للمغامرة في بيئة الفضاء تأثيرات سلبية في جسم الإنسان. فكما قال الدكتور ليونارد «بونز» ماكوي، أحد أبطال «ستار تريك»، فإن «الفضاء مرض وخطر مخبآن في طيات الظلام والصمت!». معه حق؛ فالسفر إلى الفضاء يتركك ضعيفًا، ومتعبًا، ومريضًا، وفي بعض الأحيان مكتئبًا.
الجاذبية في الفضاء أضعف كثيرًا منها على الأرض؛ فعندما يخرج البشر إليه يبدو كأنه لا وزن لهم. وبعد استحداث محطات الفضاء التي يسكنها البشر لفترات طويلة ظهرت التأثيرات الضارة لانعدام الوزن على صحة الإنسان. وتُعرف أكثر المشكلات شيوعًا التي يتعرض لها البشر في ساعاتهم الأولى في حالة انعدام الوزن بمتلازمة التأقلم مع الفضاء، والاسم الشائع لها هو دوار الفضاء، وأعراضها الغثيان، والقيء، والدوار، والصداع، والنعاس، والتوعك بشكل عام. وقد أبلغ رائد الفضاء غيرمان تيتوف عن أولى حالات دوار الفضاء في 1961؛ ومن وقتها عانى نحو 45% ممن سافروا إلى الفضاء من هذه الحالة. وتختلف مدة الإصابة بدوار الفضاء من شخص إلى آخر، إلا أنها نادرًا ما استمرت لأكثر من اثنتين وسبعين ساعة يتأقلم بعدها جسم الإنسان مع البيئة الجديدة.
وتضم الأعراض المعاكسة طويلة المدى لانعدام الوزن أيضًا ضمور العضلات وتدهور الهيكل العظمي؛ فمن دون تأثير الجاذبية لا يُتطلب من العضلات الهيكلية أن تحافظ على مواضعها. وفي ظل انعدام الجاذبية لا تتحمل عضلات الظهر أو الساقين أي وزن عند الوقوف، ومن ثم تضعف هذه العضلات ويتقلص حجمها وتضمر بسرعة. وعلى الرغم من أن هذه الأعراض عادة ما تكون مؤقتة، فإنه بدون التمرين بانتظام واتباع نظام غذائي معين، فقد يخسر رواد الفضاء ما يصل إلى 20% من كتلتهم العضلية في فترة تتراوح من خمسة أيام إلى أحد عشر يومًا.
تأثير آخر لانعدام الوزن في البشر هو تغير حاسة التذوق في الفضاء، وذلك بحسب قول بعض رواد الفضاء. فبعضهم يجد الطعام بلا طعم مميز، وآخرون يجدون أن وجباتهم المفضلة ليست بالطعم نفسه، في حين استساغ آخرون أطعمة في الفضاء لم يكونوا يفضلونها في الأصل، وآخرون لا يشعرون بأي تغيير من الأساس. ولم تفلح عديد من الاختبارات في تحديد السبب وراء ذلك؛ ولكن كان هناك كثير من الفرضيات النظرية منها تدني حالة الطعام، والتغيرات النفسية مثل الملل. وكثيرًا ما يختار رواد الفضاء أطعمة قوية المذاق للتغلب على هذه المشكلة.
تُعد بيئة الفضاء قاتلة ما لم تتوافر الحماية المناسبة. والتهديد الأكبر في خواء الفضاء يتمثل في افتقاره للأكسجين وللضغط، ذلك إلى جانب درجة الحرارة والإشعاع. فلا بد من توافر كمية ضرورية من الأكسجين في الهواء الذي نستنشقه؛ فالتركيز الأدنى أو الضغط الجزئي للأكسجين هو 0.16 بار. ويستمر تبادل الغازات في الرئتين كما هو في خواء الفضاء، ولكنه يتسبب في إفناء جميع الغازات بما فيها الأكسجين من مجرى الدم. وفي خلال مدة تتراوح من تسع ثوانٍ إلى
إحدى عشرة ثانية يصل الدم عديم الأكسجين إلى المخ مسببًا فقدان الوعي، وقد يؤدي إلى نقص التأكسج والوفاة.
وعلى صعيد آخر، يكون رواد الفضاء أكثر تعرضًا لخطر مستويات الإشعاع المرتفعة القادمة من الشمس والنجوم والمجرات البعيدة؛ لأنهم لا ينعمون بحماية غلاف الأرض الجوي ومجالها المغناطيسي. فقضاء عام في المدار الأرضي المنخفض يعرضنا إلى جرعة إشعاع أكبر عشر مرات من قضائه على الأرض. وتضر مستويات الإشعاع المرتفعة بالخلايا الليمفاوية – وهي نوع من الخلايا التي تسهم بشكل كبير في حماية جهاز المناعة – وذلك يؤدي إلى تقليل مناعة رواد الفضاء. كما تم ربط الإشعاع مؤخرًا بارتفاع نسبة الإصابة بإعتام عدسة العين بين رواد الفضاء. هذا، وقد تتسبب فترات التعرض للإشعاع الطويلة في الإصابة بالسرطان، والتعرض للإشعاع الشديد مثل الوهج الشمسي ولو لفترات قصيرة قد يؤدي إلى التسمم الإشعاعي المميت.
لا ينام رواد الفضاء جيدًا في رحلاتهم. ففي بعض البعثات المكوكية يتناول أكثر من نصف الطاقم حبوبًا منومة، وبشكل عام، نحو نصف العقاقير الطبية المستخدمة في الرحلة تكون لمساعدة رواد الفضاء على النوم. وعلى الرغم من ذلك، فإن متوسط ساعات نومهم أقل ساعتين منه على الأرض. ويعد الإرهاق – سواء كان على الأرض أو الفضاء – مشكلة خطيرة؛ فهو يؤثر في الأداء، ويزيد من الاستثارة، ويقلل التركيز، ويسرع ردود الأفعال؛ مما يزيد من مخاطر وقوع الحوادث. يأمل العلماء في مساعدة الطاقم على زيادة انتباههم والحد من أخطاء الأداء، وذلك من خلال تحسين الإضاءة في مركبات الفضاء، وتنظيم مواعيد النوم ونوبات العمل.
لقد ذكرت فقط بعض التأثيرات التي قد تخلفها رحلة الفضاء في جسم الإنسان. وما زال العلماء والأطباء يعملون على تحسين الرعاية الصحية في الفضاء، وعلى إيجاد حلول للتحديات الصحية التي تواجه من يعيشون أو يعملون في الفضاء لفترات طويلة. ومن شأن التقنيات المستخدمة للحد من المخاطر الصحية التي يتعرض لها رواد الفضاء في البعثات الطويلة أن تفيد أيضًا المرضى الذين يعانون من مشكلات مماثلة على الأرض، مثل: فقدان العظام والعضلات، واضطرابات النوم الناجمة عن تغير الظروف، واختلال التوازن
المراجع
bbc.com
wikipedia.org
Top Image: Astronaut photo created by Rochak Shukla - freepik.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد شتاء 2017.