ارتبطت الاختراعات والاكتشافات العلمية في أذهاننا غالبًا بالرجال، حتى بدون البحث عن صاحب هذا الاختراع أو الاكتشاف؛ حتى إنه عندما يُذكر اكتشاف علمي جديد يحمل اسم امرأة، تظهر علامات الدهشة والتعجب على الوجوه، ولكن يوجد عدد كبير من النساء اللاتي قدمن اكتشافات علمية كبيرة ساهمت في تغيير مسار العلم، وإيضاح بعض النقاط التي وقف العلم عاجزًا عن حلها إلى أن تم اكتشافها على أيديهن.
يرجع ذلك إلى أنه لم يُشار إلى بعضهن بسبب انتساب بعض هذه الاكتشافات إلى غيرهن من الذكور، أو وجود بعض العقبات الاجتماعية، مثل العادات والتقاليد التي كانت تمنع تعليم المرأة أو كتابة اسمها على أي اكتشاف علمي، وانتساب هذا الاكتشاف إلى زوجها أو والدها، ولكن مع كل هذا لم يستسلمن، وقدمن أبرز الاكتشافات والإنجازات العلمية التي غيَّرت حياة البشرية.
1- النظام الضوئي الملون
قبل وقت طويل من اكتشاف الاتصال اللاسلكي، واجه البحارة صعوبات كثيرة في التواصل مع السفن الأخرى ليلًا مع صعوبة رؤية الأعلام أو الفوانيس التي لا تصدر سوى القليل من الضوء. وأثناء قراءة «مارثا كوستون» لمذكرات زوجها المتوفى عام 1848، وجدت عن طريق الصدفة رسمًا تقريبيًّا لموجة مضيئة؛ فألهمها فكرة تصميم «النظام الضوئي الملون» لتستخدمه السفن في التواصل والإضاءة ليلًا.
مارثا كوستون (1826-1904). Wikipedia
وعلى الرغم من أنها كانت أُمية، فهي لم تحصل على أي تعليم رسمي، فقد عملت عشر سنوات كاملة على الفكرة. وفي ذات يوم، استلهمت فكرة دمج الألعاب النارية بفكرتها الرئيسية لتطوير النظام الضوئي وتصميم مشاعل تتألق باللون الأحمر أو الأبيض أو الأزرق؛ بحيث تبهر العين وتجذب النظر. وبالفعل نجحت في ذلك! وسرعان ما اشترى الجيش اختراعها، واستخدمه في إنشاء رموز ملونة للتواصل بعضهم مع بعض في الليل.
2- الأدوية المضادة للفطريات
الأدوية المضادة للفطريات هي أحد أكثر الأدوية استخدامًا في حياتنا اليومية، وبفضلها أُنقذت حياة الملايين حول العالم. ويرجع الفضل فيها إلى امرأتين تعاونتا عبر مسافة نحو 150 ميلًا ما بين ولاية نيويورك ومدينة ألباني الواقعة شمال نيويورك: «إليزابيث لي هازن» و«راشيل فولر براون».
(1898-1980) «إليزابيث لي هازن» (1888-1975) و«راشيل فولر براون». Flickr
فعلى الرغم من اكتشاف البنسلين عام 1941، فإن تطور الأدوية المضادة للفطريات كان بطيئًا جدًّا. جاءت الصدفة أمام «إليزابيث لي هازن» و«راشيل فولر براون» لتضعا أمامهما مضاد الفطريات الأول في التاريخ وهو «النيستاتين» Nystatin الذي جاء من أصل جرثومة «ستربتومايسيس نورسي» Noursei Streptomyces. وأطلق على «النيستاتين» هذا الاسم تكريمًا لولاية نيويورك الأمريكية؛ فحرفا «NY» الموجودان في بداية الاسم هما اختصار لاسم المدينة، أما «ستاتين» فهي المجموعة الوظيفية.
يؤثر النيستاتين كيميائيًّا في المكون الرئيسي للغشاء السيتوبلازمي الخاص بالخلية الفطرية، المعروف باسم الإرجسترول؛ عن طريق إحداث ثقوب في الغشاء، مما يؤدي إلى فقدان قوته لمقاومة أي مؤثر خارجي، فيصل في نهاية المطاف إلى تثبيط نمو الخلية وموتها. كذلك يعرف النيستاتين بتأثيره القوي في عديد من الفطريات والخمائر والمبيضات، ويعد من الأدوية الآمنة عند معالجة العدوى الفطرية الفموية والمعوية.
3- لقاح السعال الديكي
يعد مرض السعال الديكي إحدى أكثر العدوى البكتيرية التنفسية التي تصيب الأطفال، خاصةً الرضع الذين تقل أعمارهم عن عام، ويمكن أن تكون قاتلة أيضًا؛ إذ أودى بحياة أكثر من 6000 طفل سنويًّا في ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة وحدها.
بيرل كيندريك (1890–1980). History.com.
Pearl Kendrick and Grace Eldering. michiganradio.org
من ثم، عملت عالمتا الجراثيم الأمريكيتان «بيرل كيندريك» و«غريس إلديرينغ» جنبًا إلى جنب على تطوير أول لقاح للسعال الديكي وتعزيز معايير اللقاح الدولية، من خلال زيارة الأطفال المرضى وأخذ عينات منهم ليلًا ونهارًا في ظل انخفاض ميزانية الأبحاث العلمية حتى تبنت السيدة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية «إليانور روزفلت» البحث ماديًّا وظهر إلى النور، فأنقذ حياة ملايين الأطفال حول العالم.
4- الثلاجة الكهربائية الحديثة
على الرغم من استخدامنا اليومي للثلاجة الكهربائية الحديثة، فإن قليلًا منا يعرف من ابتكر لنا هذا الاختراع وأظهره للبشرية؛ بحيث تتحول الصناديق القديمة التي لا فائدة منها إلى ثلاجة لا نستطيع الاستغناء عنها في منازلنا الحديثة.
فلورنسا باربارت (1873-1930). magazine.womenssuite.com
ابتكرت العالمة الأمريكية «فلورنسا باربارت» الثلاجة الكهربائية الحديثة عام 1914، وساعدها زوجها في ذلك الوقت في تصميم الدوائر الكهربائية بدقة عالية، وقد حصلت على كثير من براءات الاختراع. ليس هذا فحسب، بل كانت باربارت رائدة أعمال متمرسة بالفعل، وحققت نجاحًا كبيرًا في تسويق وبيع الثلاجات، وطورت الحملات الإعلانية الخاصة بها، وقامت بإدارة الإنتاج. لهذا يمكننا القول إن باربارت كانت رائدة أعمال نسائية حقيقية ومخترعة موهوبة.
أخيرًا وليس آخرًا، إن كانت المرأة نصف المجتمع، فإنها نصف العلم أيضًا؛ فبفضلها ظهرت بعض الاكتشافات التي غيرت مسار البشرية، ووضعتنا على أول طرق التقدم في طريق التكنولوجيا المعاصرة.
المراجع
aplus.com
wonderslist.com
biography.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2019.
Cover image by upklyak on Freepik.