لم يكن التواصل في الماضي أمرًا سهلًا بالمرة. فإن سألت والديك أو أجدادك عن كيفية التواصل في الماضي، فإنك ستدرك كم كان الاتصال وإرسال الخطابات للأقارب الذين يعيشون في مكان آخر أمرًا صعبًا. واليوم، تساعدنا الهواتف الذكية كثيرًا للتواصل مع الناس حول العالم بشكل سهل وسريع، وكذلك الوصول إلى المعلومات وقتما نحتاج إليها.
أراهن على أنك تمسك هاتفًا ذكيًّا الآن وأنت تقرأ هذا المقال، أو هو بمقربة منك على الأقل. فالهواتف الذكية تمكننا من إجراء المكالمات الهاتفية، وإرسال الرسائل النصية. وإن كنت متصلًا بالإنترنت، فبإمكانك إرسال رسائل عبر تطبيق «فيسبوك ماسنجر» Facebook Messenger أو تطبيق «واتسآب» WhatsApp أو غيرها من التطبيقات المشابهة؛ وتصل جميع تلك الرسائل وجهتها فورًا. كتب أحد الروائيين الإنجليز ذات مرة: «إن الماضي دولة أجنبية؛ فهناك يقوم الناس بالأمور بطريقة مختلفة». والآن، دعونا نرَ كيف تختلف طرق التواصل الحالية عن تلك التي كانت موجودة في الماضي، ونحاول تخمين ما يحمله المستقبل لنا.
الهاتف (الماضي)
لقد كان يومًا سعيدًا على الإنسانية حينما أجرى ألكسندر جراهام بيل أول مكالمة تليفونية، وكانت لمساعده، وقال: «سيد واطسون، تعالَ إلى هنا؛ أحتاج إليك». فقد غيرت تلك المكالمة الطريقة التي كان الناس يتواصلون بها إلى يومنا هذا. وفي ذلك الوقت، كان التلغراف وسيلة التواصل المتاحة، وبالرغم من أنه كان نظامًا جيدًا، فقد كان محدودًا؛ إذ لم يكن من الممكن إرسال أكثر من رسالة واحدة في الوقت نفسه. وقد أدى عمل بيل لتطوير نظام التلغراف لكي يتمكن من إرسال رسائل عديدة في الوقت نفسه إلى اختراع الهاتف.
فقد جاءته الفكرة في أثناء محاولته تحويل الحديث عبر الأسلاك، وقد اختبرها مع مساعده توماس واطسون. هذا، وترتكز فكرة الهاتف على جهاز لتشتيت التيارات الكهربية، وجهاز استقبال لتحويل تلك التيارات إلى ترددات يمكن سماعها. بعبارة أخرى، الهاتف هو جهاز يحول الصوت إلى تيارات كهربية تسافر عبر الأسلاك وصولًا لوجهاتها؛ ومن ثم تتحول تلك الترددات إلى حديث. وقد أدى مولد الهاتف إلى نهاية التلغراف؛ إذ أصبح الهاتف الوسيلة المثلى للتواصل.
الهاتف الذكي (الحاضر)
في البداية، كانت الهواتف المحمولة شبيهة بالهواتف الأرضية؛ لوجود فرق وحيد بينهما وهو أنها لاسلكية. ويتشابه مفهوم الهاتف المحمول مع مفهوم الراديو. فأولًا يتحول الصوت إلى إشارات كهربية في الجهاز، ومن ثم يتحول إلى موجة راديوية؛ ومن ثم يصل إلى البرج، ومنه إلى هاتف آخر ليتحول إلى صوت مرة أخرى.
ومع تقدم التكنولوجيا، أصبحت الهواتف المحمولة هواتف ذكية تستطيع تصفح الإنترنت والبحث عن المعلومات من خلالها؛ ومنذ ذلك الوقت، تغيرت حياتنا تمامًا. فقد غيرت ثورة الهواتف الذكية الطريقة التي يعيش بها الناس. فلم تعد مضطرًّا إلى إرسال الخطابات التي تستغرق وقتًا حتى تصل، بل تستطيع التواصل بسهولة عبر البريد الإلكتروني، أو تطبيق «واتسآب» WhatsApp، أو غيره من تطبيقات الرسائل. وإن كان أحد أقربائك يعيش خارج البلاد، فتستطيع التواصل معه من خلال مكالمات الفيديو.
ما التالي؟ (المستقبل)
لا نعلم بعد ماذا سيأتي غدًا؛ قد يكون أي شيء. فقد تظهر أجهزة تمكننا من توصيل أفكارنا دون الحاجة إلى فتح أفواهنا. إن كنت تعتقد أن هذا أمر بعيد المنال، ففكر في الأمر مرة أخرى. فقد أعلن مارك زوكربيرج – الرئيس التنفيذي لموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك– عن اهتمامه بتطوير أجهزة يمكن التحكم فيها بواسطة أفكارنا. تستطيع تقنيات الدماغ والحاسوب جعل هذا ممكنًا، فهي تتطور بسرعة كبيرة.
إن واجهات الدماغ والحاسوب تصنع اتصالًا بين عقلك والأجهزة الخارجية؛ وتكون تلك الواجهات إما جراحية أو غير جراحية. فالواجهات غير الجراحية هي تلك التي تستطيع ارتداءها، في حين الواجهات الجراحية هي تلك التي توضع جراحيًّا في الدماغ لقياس الإشارات. والأجهزة الجراحية تستخدم للأغراض الطبية في مجال الجراحات العصبية، وهي محدودة إلى حدٍّ ما بسبب المخاطر المتعلقة بها. وقد اهتمت شركات كثيرة باستخدام واجهات الدماغ والحاسوب لمختلف الأغراض، وبمستقبل الأجهزة القابلة للارتداء التي يمكن التحكم فيها من خلال الأفكار.
لقد جعل الهاتف الذي اخترعه جراهام بيل التواصل والحياة أسهل كثيرًا، ولكن الهواتف الذكية أحدثت ثورة في طريقة حياتنا. ومع كلِّ خطوة نحو المستقبل، يغدو المستقبل أكثر شبهًا بالدولة الأجنبية. إن الاحتمالات لا حدود لها، علينا فقط أن ننتظر ونرى ما سيحدث.
المراجع
cnbc.com
forbes.com
history.com
learn.neurotechedu.com
loc.govtelegraph
pongcase.com
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء 2020
Cover image by Freepik