لا تؤثر التفرقة بين الجنسين في الإناث فقط؛ فعندما يُحرم نصف السكان من استغلال قدراته كاملةً، يتعرض العالم بأسره لخسارة فادحة. فإتاحة التكنولوجيا للجميع، ومنحهم فرصة المشاركة والقدرة على التحكم فيها، وابتكارها وتشكيلها، قضية محورية من قضايا حقوق الإنسان المرتبطة بحقوق المرأة؛ ورغم زيادة الوعي بهذا الشأن، لا يزال التقدم بطيئًا. ومع ذلك، يوجد تصور متفائل للمستقبل، إذ تقدم التكنولوجيا أدوات تساعد على حل مشكلات عدم المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة.
بادئ ذي بدء، رغم وجود تفسيرات عديدة لظاهرة فارق الأجور بين الجنسين؛ يبقى دور المرأة بوصفها راعية الأسرة أحد أهم العوامل المؤثرة فيها. وتوفر ظاهرة القوة العاملة الطارئة –مجموع العمالة حسب الطلب، وتتكون من الأخصائيين والمستشارين والمقاولين المستقلين– حلًّا لتلك المشكلة الملحة؛ وذلك بتحطيم الحواجز المادية والجغرافية والاجتماعية. فمنصات العمل عن بُعد تتيح لملايين النساء حول العالم فرصًا شائقة، كما تساعدهن على العمل من أي مكان لصالح أي جهة بالعالم دون الحاجة إلى الانتقال إليها.
على صعيد آخر، تشكل العالمات 29% فقط من مجموع المتحدثين بالمؤتمرات المتخصصة، و27% فقط من المتحدثين المدعوين لها. وفرص التحدث بالمؤتمرات لها دور محوري في تطور المسارات المهنية. لذلك، فإن انخفاض تمثيل المرأة في هذا الإطار يعني أن عددًا أقل من النساء يتاح له فرصة المشاركة بالأفكار ولإلهام الآخرين. ومع ذلك، توجد الآن منصات رقمية توفر حلًّا لذلك، إذ تعمل بمنزلة وكالات لإظهار القائدات في مجالات الأعمال والتكنولوجيا والابتكار.
والتكنولوجيا ليست أداة مهمة فحسب تستخدمها النساء؛ فهي انعكاس لمبتكريها، لذلك يجب أن يكون للمرأة دور مهم في تشكيلها. فتحصل النساء على 28% فقط من الدرجات العلمية في مجال علوم الحاسوب، كما يشغلن 25% فقط من الوظائف في ذلك المجال، ويشكلن 11% فقط من المراكز الإدارية في شركات تكنولوجيا المعلومات والاتصال. وتسهم قلة النساء في الأدوار الخاصة بالتكنولوجيا في تراجع دخول الشابات إلى المجال؛ فلا يجدن من يلهمهن ولا يعرفن نماذج يحتذى بها للمرأة في هذا المجال. إلا أن المنظمات التعليمية قد بدأت في العمل على حل تلك المشكلة بالسعي إلى التواصل مع الفتيات في سن صغيرة. ولكن لا يكفي أن تُمنح الفتيات الصغيرات المهارات التنافسية التقنية والعملية فحسب؛ فهن يحتجن إلى الأنظمة الداعمة، والإرشاد، وشبكات التواصل التي تسمح لهن، وتساعدهن على التقدم سريعًا في مساراتهن المهنية.
تحديات مختلفة وحلول متنوعة
لا بد أن ندرك بينما تحارب النساء في بعض أجزاء العالم للحصول على فرص متساوية في العمل، ما زالت النساء في أجزاء أخرى من العالم يحاربن للحصول على حقوقهن الأساسية في الحياة. وسد الفجوة بين الجنسين عالميًّا يحتاج لأن ندرك الاحتياجات المختلفة للنساء حول العالم. فتساعد التكنولوجيا على تلبية احتياجات النساء ومساعدتهن على التغلب على التحديات التي تواجهها في المناطق النامية أو حيث يتعرضن للخطر الشديد.
بشكل متوسط عبر العالم النامي، فإن عدد النساء المتاح لهن الدخول على شبكة المعلومات العالمية يقل بنحو 25% عن عدد الرجال المتاح لهم ذلك، وتتسع الفجوة بشكل كبير لتصل إلى 45% في مناطق مثل تلك التي تقع أدنى الصحاري في إفريقيا. وحتى في المناطق التي تتمتع باقتصاد سريع النمو، فإن الفجوة لا تزال واسعة للغاية؛ فعدد النساء المتصلات بشبكة الإنترنت في جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا يقل نحو 35% عن عدد الرجال، وتقل تلك النسبة بشكل طفيف لتصل إلى 30% في أجزاء من أوروبا وفي وسط آسيا. على عكس ذلك، فإن إتاحة الإنترنت للنساء في البلدان ذات الدخول الأعلى تقل بشكل طفيف للغاية مقارنة بإتاحتها للرجال، بل في بلدان مثل فرنسا والولايات المتحدة تتفوق إتاحة الإنترنت للنساء.
تظهر الدراسات أن النساء في العالم النامي لهن مشاركة تكنولوجية منخفضة للغاية مقارنة بمشاركة الرجال، ويرجع ذلك إلى المواقف الاجتماعية والثقافية فيما يتعلق بدور المرأة في المجتمع. وبعدم إتاحة الإنترنت للنساء، فإنهن يفقدن فرصة استغلال الأدوات والموارد والفرص الإلكترونية، في حين عندما تتاح لهؤلاء النساء فرصة التعامل مع التكنولوجيات المتاحة على الإنترنت، فإن ذلك يعود بفوائد واسعة النطاق على المستوى الشخصي وكذلك على مستوى الأسرة والمجتمع. ومفتاح تلك الفوائد هو التعليم الإلكتروني؛ حيث إن إتاحته يؤسس دائرة من الردود الاسترجاعية الإيجابية.
وعلى الرغم من أن إتاحة شبكة الإنترنت آخذة في الاتساع داخل الدول النامية، فإن احتمالات دخول النساء
لا تزال أقل بنحو 25% عن الرجال. ومن المتوقع أن تستمر تلك الفجوة بين الجنسين، التي تمنع اليوم قرابة 200 مليون امرأة من المشاركة الإلكترونية. وتسريع التقدم في سد تلك الفجوة يحتاج بشدة إلى مجهودات دؤبة ومنسقة من قبل القطاعات العامة والخاصة.
مستقبل أكثر عدلًا
تشير الدراسات إلى أن إتاحة الإنترنت واستخدامها يعضد من دخل المرأة ومن فرص حصولها على الدخل، إذ يمكن استخدام الإنترنت في البحث عن الوظائف والتقدم لشغلها؛ بالإضافة إلى الحصول على دخل إضافي. كذلك إتاحة الإنترنت واستخدامها يزيد شعور المرأة بالتمكين؛ فأكثر من 70% من مستخدمي الإنترنت يعدونها «محررة»، كما يقول 85% منهم إنها «توفر حرية أكبر»، وهذا بالإضافة إلى أنها تزيد شعور المرأة بالمساواة.
دون أي مجهودات استثنائية ستدخل أعداد أكبر من المستخدمات الجدد على شبكة الإنترنت نتيجة النمو الطبيعي لانتشارها؛ إلا أنه يمكن تسريع التقدم في هذا الشأن ليصل إلى ضعف العدد المتوقع من النساء والفتيات المستخدمات للإنترنت. وهو أمر غير هين، إلا أنه يشكل فرصة تستحق السعي الملح وراءها؛ لأنه كلما أسرعنا لسد الفجوة بين الجنسين، أسرعت النساء وأسرهن ومجتمعاتهن وبلادهن في إدراك الفوائد الاجتماعية والاقتصادية المهمة التي من الممكن الحصول عليها من خلال إتاحة الإنترنت.
إن الفجوة العالمية بين الجنسين ليست مشكلة مضنية فحسب، بل فرصة كبيرة أيضًا. فالمطالبة بسد الفجوة ليست بحافز أخلاقي فقط، بل دافع اقتصادي أيضًا. إن التقدم فيما يتعلق بمساواة المرأة بالرجل من شأنه أن يضيف ترليونات للنمو العالمي، ومن شأن التكنولوجيا في جميع صورها أن توفر لنا الأدوات التي نحن في أمس الحاجة إليها للتعامل مع ذلك التحدي العالمي.
المراجع
drive.google.com
globalfundforwomen.org
intel.co.uk
singularityhub.com
voicesofyouth.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2019.
Cover image by Freepik