على مر التاريخ، حرصنا دائمًا على نسج الاحتفالات في حياتنا؛ حيث تتسم بالتقاليد والتجمعات المبهجة. ومع ذلك، هل تساءلت يومًا ما الذي يدفع الناس إلى تناقل هذا الاهتمام الدائم بالاحتفالات عبر الأجيال؟ وكيف تؤثر هذه الاحتفالات في صحتنا؟
نحن اجتماعيون بطبيعتنا؛ فلدينا ميل طبيعي للعيش في مجموعات والانتماء إليها. وتؤدي هذه الحاجة الموروثة، إلى جانب طبيعتنا الاجتماعية، دورًا مهمًّا في ابتكار البشر للاحتفالات. فتوفر الاحتفالات تجارب مشتركة تعزز الروابط الاجتماعية بين الأفراد داخل المجموعة. وهذا يعزز المشاعر الإيجابية داخل المجموعة ويحفز التعاون المستمر بين أفرادها.
تختلف الاحتفالات وطقوسها بشكل كبير باختلاف المجتمعات وثقافاتها، وكذلك باختلاف المناسبات. ومع ذلك، تظل الحقيقة الثابتة أن الاحتفالات يمكن أن يكون لها آثارًا إيجابية وأخرى سلبية في صحتنا.
الآثار الإيجابية
تحسين الصحة النفسية وتقوية الروابط الاجتماعية: ربط علماء النفس الاحتفالات والمناسبات الخاصة بزيادة الشعور بالأمان والراحة، بالإضافة إلى تقليل الشعور بالقلق. فأثبتت الدراسات أن ممارسة الطقوس في أثناء مواسم الأعياد أو المناسبات الدينية يمكن أن تقلل من التوتر، وتحسن المزاج، وتعزز مشاعر الراحة والرضا، وتحسن الصحة العقلية بشكل عام. وهي تعزز الروابط الاجتماعية من خلال توفير الفرص للتواصل مع العائلة والأصدقاء، ومشاركة مشاعر الفرح والسعادة، وخلق ذكريات دائمة. وسيؤدي خلق ذكريات جميلة دائمة إلى تعزيز الشعور بالحنين بمرور الوقت، مما قد يخفف من الأفكار السلبية.
قيَّمت إحدى الدراسات أنماط نشاط الدماغ المرتبطة بالحنين واعتبرتها إيجابية في الغالب لأنها تعزز احترام الذات، وتزيد المعنى في الحياة، وتعزز الترابط الاجتماعي والدعم، وتعزز الصحة النفسية والرفاهية، وتخفف من حالات الانزعاج مثل الوحدة والملل أو التوتر أو القلق من الموت. وكذلك يمكنها الحفاظ على الوظائف العاطفية والذاكرة وتحسينها لدى كبار السن، وإثراء الصحة النفسية، وتخفيف الاكتئاب.
الآثار السلبية
على الرغم من أن الاحتفالات والأعياد لها آثار إيجابية، فقد تطغى عليها المشاعر السلبية لدى بعض الأفراد. على سبيل المثال، أظهر تقرير صدر عام 2014 عن التحالف الوطني الأمريكي للصحة العقلية أن 64٪ من المصابين بأمراض عقلية يعانون تفاقم المرض خلال الإجازات. وتشير دراسة أخرى أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية إلى أن 38٪ من البالغين أبلغوا عن زيادة مستويات التوتر خلال موسم الإجازات. تختلف أسباب ذلك، ومنها:
الوحدة أو الحزن: بالنسبة إلى الأفراد الذين عانوا مؤخرًا الخسارة أو العزلة الاجتماعية، يمكن للجوِّ الاحتفالي أن يزيد من شعورهم بالإهمال أو فقدان أحبائهم، مما يعمق حزنهم.
الضغط المالي: يمكن أن تؤدي احتياجات الاحتفالات والأعياد إلى خلق أعباء مالية، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين يواجهون قيودًا مالية. وهذا قد يؤدي إلى القلق والشعور بالذنب والمشاعر السلبية تجاه الاحتفال نفسه.
ضيق الوقت: غالبًا ما يتطلب الإعداد للاحتفالات والمشاركة فيها التزامًا كبيرًا بالوقت، وهو ما قد يمثل تحديًّا خاصًا للأفراد الذين لديهم جداول مزدحمة. وهذا قد يؤدي إلى مشاعر الإرهاق والإحباط.
تقديم الهدايا: على الرغم من أن الهدف منها هو نشر الفرح، إلا أنه يمكن أن تصبح أيضًا مصدرًا للتوتر. قد يسبب الضغط المرتبط بالعثور على الهدية المثالية والخوف من إحباط المتلقي توترًا وقلقًا غير ضروريين.
من المهم أن نتذكر أن الاحتفال تجربة شخصية، وما يسعد شخص ما قد لا يتردد صداه لدى شخص آخر. يُعد الاعتراف بإمكانية حدوث مشاعر سلبية في أثناء الاحتفالات أمرًا مهمًّا للغاية وذلك لتعزيز بيئة أكثر شمولًا ودعمًا.
نصائح لإدارة التوتر واجتياز الاحتفالات بإيجابية:
- كن صادقًا مع نفسك وتواصل بصراحة مع الأصدقاء والعائلة. اعترف بمشاعرك، سواءً كانت إيجابية أو سلبية.
- ضع توقعات واقعية ولا تفرط في الالتزام بشيء. أعطِ الأولوية للاهتمام بنفسك ووزع المهام على آخرين إذا لزم الأمر.
- ركز على التجارب، وليس الأشياء المادية، وكوِِّن ذكريات ذات معنى من خلال قضاء وقت ممتع مع أحبائك، والمشاركة في الأنشطة المشتركة، وخلق تقاليد جديدة.
- اطلب الدعم إذا كنت تعاني من المشاعر السلبية، فلا تتردد في التواصل مع صديق تثق به، أو أحد أفراد العائلة، أو أخصائي الصحة النفسية.
في الختام، يمكن أن تكون الأعياد والاحتفالات مبهجة وتعزز صحتنا، ولكن من المهم أن نضع في اعتبارنا آثارها الصحية المحتملة وأن نتخذ خيارات مستنيرة. ومن خلال إعطاء الأولوية للصحة، يمكننا أن نستمتع بهذه المناسبات الخاصة.
المراجع
Young, Simon N. “The Neurobiology of Human Social Behaviour: An Important but Neglected Topic.” Journal of Psychiatry & Neuroscience: JPN, vol. 33, no. 5, Sept. 2008, pp. 391–92. PubMed Central, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2527715/.
Brooks, Alison Wood, et al. “Don’t Stop Believing: Rituals Improve Performance by Decreasing Anxiety.” Organizational Behavior and Human Decision Processes, vol. 137, Nov. 2016, pp. 71–85. ScienceDirect, https://doi.org/10.1016/j.obhdp.2016.07.004.
Verghese, Abraham. “Spirituality and Mental Health.” Indian Journal of Psychiatry, vol. 50, no. 4, 2008, pp. 233–37. PubMed Central, https://doi.org/10.4103/0019-5545.44742
Abeyta, Andrew A., et al. “Combating Loneliness with Nostalgia: Nostalgic Feelings Attenuate Negative Thoughts and Motivations Associated with Loneliness.” Frontiers in Psychology, vol. 11, 2020. Frontiers, https://www.frontiersin.org/journals/psychology/articles/10.3389/fpsyg.2020.01219.
Van Tilburg, Wijnand A. P., et al. “How Nostalgia Infuses Life with Meaning: From Social Connectedness to Self‐continuity.” European Journal of Social Psychology, vol. 49, no. 3, Apr. 2019, pp. 521–32. DOI.org (Crossref), https://doi.org/10.1002/ejsp.2519.
Ziyan Yang, Tim Wildschut, Keise Izuma, Ruolei Gu, Yu L L Luo, Huajian Cai, Constantine Sedikides, Patterns of brain activity associated with nostalgia: a social-cognitive neuroscience perspective, Social Cognitive and Affective Neuroscience, Volume 17, Issue 12, December 2022, Pages 1131–1144, https://doi.org/10.1093/scan/nsac036
“Even a Joyous Holiday Season Can Cause Stress for Most Americans.” Https://Www.Apa.Org, https://www.apa.org/news/press/releases/2023/11/holiday-season-stress
Cover Image by freepik