إن ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) ظاهرة جيولوجية غير عادية؛ فعندما تثور هذه الينابيع الطبيعية تطلق مياه مغلية وأبخرة مئات الأمتار إلى الأعلى نحو السماء. إن ثورة هذه السخانات الأرضية مرتبطة بوجود الطاقة الأرضية الحرارية وتوافر بعض الظروف الهيدرولوجية الخاصة، مثل: الصخور الساخنة ومصدر لمياه جوفية وخزان مياه تحت سطح الأرض وشقوق تمر من خلالها المياه إلى الأعلى. ووفقًا للباحثين، تحتاج ينابيع المياه الساخنة إلى حرارة مرتفعة أكثر من تلك الحرارة المتوافرة بالقرب من سطح الأرض؛ ولذلك تقع معظم ينابيع المياه الساخنة بالقرب من المناطق البركانية.
إن ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) عبارة عن قنوات مملوءة بالمياه التي تصل إلى القشرة الأرضية تحت سطح الأرض؛ فالصخور المنصهرة الموجودة أسفل هذه القنوات تسخن المياه بداخلها. ومن ثمَّ تغلي المياه تدريجيًّا، حتى تندفع بعض من المياه إلى الأعلى نتيجة للضغط؛ تستمر ثورة بعض الينابيع لبضع دقائق فقط، وقد تستمر ثورة البعض الآخر لأيام. سوف تستمر ينابيع المياه الساخنة في الثورة حتى تنتهي المياه داخلها أو حتى تنخفض درجة الحرارة داخل الينابيع.
إن ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) نادرة الوجود؛ فتقع معظم الينابيع في خمسة دول فقط: تشيلي وأيسلندا ونيوزلندا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. من أهم الأماكن التي يمكنك أن تشاهد فيها ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) هي حديقة يلوستون الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تحتوي على أكثر من نصف ينابيع المياه الساخنة الموجودة على الأرض. على الرغم من أن معظم ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) تثور بشكل غير منتظم، لكن بعضها تثور بشكل منتظم؛ فأشهر الينابيع التي تقع في حديقة يلوستون الوطنية، والتي تحمل اسم «أولد فايثفل» Old Faithful، تثور كل 60 إلى 90 دقيقة تقريبًا. قد تندفع المياه من السخانات الأرضية إلى ارتفاع يصل إلى حوالى 30-55 مترًا في الهواء؛ ولكن أظهرت الأبحاث الأخيرة أن الفترة الزمنية بين ثورات ينبوع «أولد فاثفل» قد طالت نتيجة للجفاف التي تعرض له حديقة يلوستون.
في حديقة يلوستون الوطنية، سوف تجد أيضًا أطول ينبوع نشط في العالم، وهو ينبوع «ستيم بوت» Steamboat؛ حيث أنه يطلق المياه إلى مسافة قد تصل إلى 120 مترًا في الهواء أثناء ثورته. وللأسف إذا زرت حديقة يلوستون، فقد لا تتمكن من رؤية الينبوع وهو ثائر حيث أنه ثار أقل من عشرة مرات خلال العشرين عامًا الماضية. وحدثت أعلى ثورة لينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) في وادي وايمانجو في نيوزلندا؛ ففي عام 1902، أطلق الينبوع المياه إلى مسافة وصلت إلى 450 مترًا إلى الأعلى. ولكن أصبح هذا الينبوع غير نشط بعد الانهيار الأرضي الذي حدث في عام 1904.
قد تتسبب بعض العوامل مثل الانهيارات الأرضية والزلازل والجفاف في تغيير ثورة ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) أو قد تدمرها تمامًا. يساهم الناس أيضًا في تدمير ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) عن طريق إلقاء القمامة والمخلفات بداخل فوهات الينابيع مما يؤدي إلى انسدادها. تُعد ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية) مصدر جيد للطاقة الأرضية الحرارية التي قد تُستخدم في توليد الكهرباء للمنازل والمباني؛ ومع ذلك، فإن المحاولة للاستفادة من هذه الطاقة قد تؤدي إلى استنزاف المياه الموجودة داخل الينابيع.
تُعد ينابيع المياه الساخنة (السخانات الأرضية)، كونها المتنفس الطبيعي للطبيعة، من المميزات الرائعة لآليات الكرة الأرضية المذهلة التي لا تتوقف عن ابهارنا. فمثل غيرها من الظواهر الطبيعية للأرض، علينا أن نكون حذرين في التعامل معها؛ حيث أنها قد تكون من أقوى مصادر الطاقة، ولكنها قد تشكل خطرًا كبيرًا أيضًا، ليس فقط بسبب طبيعتها البركانية، بل أيضًا انسدادها قد يكون أخطر بكثير.
المراجع
nationalgeographic.org
en.wikipedia.org