تتغلغل التكنولوجيا في جميع مناحي الحياة؛ فيحاول الباحثون في مجال تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد جاهدين الوصول إلى طرق جديدة لاصطناع أوعية دموية من شأنها العمل بكفاءة داخل جسم الإنسان.
وحتى وقت قريب، كانت تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد بطيئة ومكلفة، ولم تكن قادرة إلا على إنتاج أوعية دموية مفردة أنبوبية الشكل لا تستطيع التكيف مع النظام الوعائي داخل الجسم. غير أن هذا الأمر قد تغير بفضل التكنولوجيا.
واجه علماء تكنولوجيا النانو بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو – تحت إشراف أستاذ هندسة النانو الدكتور شاوتشين تشين – تحديات كبرى في مجال هندسة الأنسجة. وأخيرًا، تمكنوا من طباعة أنسجة وأعضاء ثلاثية الأبعاد تحاكي الواقع وتقوم بعمل الجديلة الوعائية. وهي شبكات من الأوعية الدموية من شأنها نقل الدم والمغذيات والفضلات وغيرها من المواد البيولوجية بصورة آمنة عند دمجها داخل الجسم البشري.
وتحتاج الأعضاء والأنسجة البشرية أوعية دموية لتعيش وتعمل بكفاءة، وهو ما يعوق عمليات زراعة الأعضاء التي يفوق الطلب عليها الإمكانيات المتاحة. ولذلك يُعد تعزيز التكنولوجيا في مجال هندسة الأنسجة سببًا لإحداث تغيير هائل. فاصطنع مختبر تشين شبكات جديلة وعائية يمكن زرعها بأمان في شبكات الأوعية الدموية داخل الجسم لنقل الدم. وتتفرع تلك الأوعية الدموية إلى أوعية أصغر بكثير فيما يشبه بناء الأوعية الدموية في الجسم.
طوَّر فريق العلماء تكنولوجيا مبتكرة من الطباعة البيولوجية باستخدام طابعات ثلاثية الأبعاد محلية الصنع؛ وذلك بهدف إنتاج أبنية دقيقة ثلاثية الأبعاد سريعًا تحاكي التصميمات المعقدة من الأنسجة البيولوجية ووظائفها. وقد استخدم مختبر تشين تلك التكنولوجيا سابقًا في صنع أنسجة حية وسمكة مجهرية قادرة على السباحة داخل الجسم وإزالة السموم.
يحتاج تصنيع تلك الأنسجة مجهودًا كبيرًا؛ فيتم أولًا تصميم نموذج ثلاثي الأبعاد للبنية البيولوجية على الحاسب الآلي. ثم ينقل الحاسب الآلي لقطات ثنائية الأبعاد إلى ملايين المرايا المجهرية التي يتم التحكم في كلٍّ منها رقميًّا لعرض أنماط من الأشعة فوق البنفسجية في شكل تلك اللقطات. ومن ثم تتعرض أنماط الأشعة فوق البنفسجية إلى محلول يحتوي على خلايا حية وبوليمرات حساسة تجاه الضوء تتصلب فور تعرضها إلى الأشعة فوق البنفسجية. وأخيرًا، تُطبع البنية طبقة تلو الأخرى؛ لتنتج بناءً صلبًا ثلاثي الأبعاد من البوليمر يُغلف خلايا حية تنمو لتصبح أنسجة بيولوجية.
خلافًا لغيرها من تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تُنتج نماذج نقطية وتتطلب مواد تقريبية وخطوات إضافية لصناعة الأوعية، ينفذ مختبر تشين لتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد بنيات أكثر دقة من الأوعية الدموية الدماغيَّة الدقيقة ذات درجة عالية الوضوح. واستخدم الفريق التصوير الطبي في صنع الأنماط الرقمية من شبكة الأوعية الدموية الموجودة في الجسم. فتمكنوا باستخدام التكنولوجيا الخاصة بهم من طباعة بنية تحتوي على خلايا بِطانية؛ وهي الخلايا التي تشكل البطانة الداخلية للأوعية الدموية. والبناء بأكمله مقاسه صغير يقدر بنحو 4×5 ملليمتر، وسمكه 600 مايكرو متر.
في الواقع، تستغرق تلك العملية الطويلة بضع ثوانٍ؛ وهذا ما يساعد على إحداث تحسن هائل في تلك التقنية الحديثة أكثر من غيرها من طرق الطباعة الحيوية المنافسة التي عادة ما تستغرق ساعات لطباعة بنيات بسيطة. إلى جانب ذلك، تستخدم الطريقة الحديثة موادَّ غير مكلفة ومتوافقة حيويًّا.
قام الباحثون بزراعة تلك الأنسجة في جروح جلدية لدى الفئران؛ وبعد أسبوعين، اختبروها فلاحظوا اندماجها بنجاح مع شبكة الأوعية الدموية المُضيفة، لتسمح بوجود دورة دموية طبيعية. ويُعد وجود خلايا الدم الحمراء عبر تلك الأوعية الملتصقة خير دليل على وجود دورة دموية بها.
مع ذلك، أوضح تشين أن الأوعية الدموية المزروعة ما زالت غير قابلة على القيام ببعض الوظائف مثل نقل المغذيات والفضلات. فعلى الرغم من أن تلك التقنية الحديثة تُعد تقدمًا هائلًا في مستقبل تجديد الخلايا وإصلاحها، فلا تزال هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتحسين تلك المواد.
ويعمل تشين وفريقه على بناء أنسجة مصممة خصيصًا للمرضى، وذلك باستخدام الخلايا الجذعية البشرية التي من شأنها منع الجهاز المناعي من مهاجمة عمليات زراعة الأعضاء داخل الجسم البشري. ولأن هذه الخلايا مصدرها خلايا جلد المريض، فلن يتطلب ذلك من الباحثين استخراج أية خلايا من داخل الجسم لبناء نسيج جديد.
يهدف الفريق إلى اختبار أعمالهم سريريًّا، وهو هدف يتطلب عدة سنوات لتحقيقه. ولذلك ننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يحدث فيه تكافؤ بين معدل زراعة الأعضاء ومعدل الحاجة إليها. فنأمل أن يضع ذلك حدًّا لقوائم انتظار المرضى الطويلة الخاصة بعمليات زراعة الأعضاء. وذلك النجاح سيكون نقطة تحول في تاريخ العلوم.
*المقال منشور في مجلة كوكب العلم المطبوعة، عدد صيف 2017.
المراجع
sciencedaily.com
3dprint.com