عندما أرى ساقيَّ وذراعيَّ وقد غطتها لدغات الحشرات، أعرف أن الصيف قد بدأ. فبحلول حرارة الصيف، وضبابه، ورطوبته، يغزو النحل الطنان، والنمل الزاحف، وأسراب البعوض عالمنا؛ حيث تزدهر جميعها بدايةً من أواخر الربيع وطوال الصيف، لتبلغ أوج نشاطها في تلك الفترة.
وعلى الرغم من تأثيراتها غير الصحية، فقد لا تشكل هذه الحشرات وغيرها من الحشرات اللاسعة واللادغة تهديدًا على الحياة؛ فإنها – وبكل تأكيد – قد تنزع استمتاعنا بالصيف. تخيل فحسب القيام بحفل شواءٍ مع الأصدقاء والأقارب، أو قضاء وقتٍ عند حمام السباحة أو على الشاطئ، أو التجول سيرًا في الهواء الطلق في صحبة الحشرات الطائرة؛ فلا بد من أن ذلك سيعكر صفو أوقات المرح أو الاسترخاء. ومن أجل صحتك وبهجتك كلتيهما، فمن المهم أن تتعرف على الحشرات الضارة؛ لتحمي نفسك وعائلتك أثناء الصيف.
إنه وقت الحشرات
يضم العالم ما يزيد عن مليون نوع معروف من الحشرات؛ ولهذه الأنواع كافة منافع للبيئة والإنسان بطريقة أو بأخرى، إلا أن بعضها يصيب الإنسان والحيوان ببعض الأضرار.
تكون الحشرات أقل عددًا في الشتاء، ولكنها تستطيع البقاء حية خلاله. وللحشرات طرق عديدة للنجاة من تأثيرات الطقس البارد؛ فبعضها يهاجر إلى أماكن أكثر دفئًا، أو أحسن ظروفًا على الأقل، بينما يدخل البعض الآخر في حالة سبات شتوي يتوقف تطورها خلالها. وخلال تلك الفترات السباتية، تكون الحشرات غير نشطة بالمرة فيما يتعلق بعملية الاستقلاب (الأيض)؛ فلا تأكل، أو تشرب، أو تنمو لفترة من الزمن قد تمتد لشهور، ومن ثم، لا تحتاج إلى استخدام طاقتها لتبقى على قيد الحياة لفترات طويلة.
وعادة ما يأتي الصيف بطقسٍ أكثر دفئًا، ومعدلات رطوبةٍ أكثر ارتفاعًا، وازدهار في أشكال الحياة النباتية والحيوانية، وتلك الظروف ملائمة لراحة الحشرات؛ حيث تجد غذاءً وفيرًا وتكون في أوج موسم تكاثرها.
هجمات الحشرات
هناك العشرات من الحشرات التي تمثل لدغاتها أو لسعاتها مصدرًا للمشكلات؛ ومن الممكن تقسيم تلك الحشرات إلى نوعين: سامة وغير سامة؛ حيث يكمن الفرق بين النوعين في طبيعة اللدغة أو اللسعة.
أما الحشرات السامة، فتهاجم ضحيتها دفاعًا عن نفسها؛ حيث تقوم بحقن سمومها عن طريق لسع الضحية بذَنَبها، وينتج عن ذلك رد فعل موضعي على البشرة متمثل في الاحمرار والألم، مع احتمال الشعور بحكة قد تستمر لفترة تصل لخمسة أيام. وقد يؤدي حك موضع الإصابة إلى حدوث عدوى؛ وعلاوة على ذلك، قد تتسبب اللسعات المتعددة في ردود أفعالٍ أوسع نطاقًا مثل الإصابة بالقيء، والإسهال، والتورم، والوهن الشديد. ويعاني الأفراد سريعو التأثر من ردود أفعال جهازية أو "شاملة"؛ حيث تحمرُّ بشرتهم، ويظهر عليها بثرات حاكَّة، وتتورم المناطق البعيدة عن مكان اللسعة.
وأما الحشرات غير السامة، من ناحية أخرى، فتلدغ ضحيتها؛ لتتغذى على دمها. وعادة ما تكون تلك اللدغات أقل إيلامًا من اللسعات، ولا تستمر ردود أفعال البشرة جراءها لفترة طويلة. وبصفة عامة، لا تكون الحشرات اللادغة نفسها خطيرة؛ حيث نادرًا ما تتسبب في ردود أفعالٍ تَحَسُسيّة. إلا أن قدرة تلك الحشرات على نقل الأمراض مثل الملاريا والحمى الصفراء هو الأمر المثير للقلق، ولكن ما يعني أغلبنا فحسب هو أن لدغات تلك الحشرات تسبب حكة مزعجة للغاية.
النحل
يستخدم النحل أذنابه لحقن ضحاياه بالسم؛ إلا أن الإناث فقط هي ما تتميز بأذنابٍ تبرز من بطونها. وعندما تُدخل النحلة أداتها اللاسعة في جلد ضحيتها فإنها تنفصل عن جسمها، وتموت النحلة نتيجة لذلك.
لسعات النحل مؤلمة وقد تكون مميتة أيضًا، الأمر الذي يتوقف على التاريخ المرضي للضحية. فغالبًا ما يعاني هؤلاء الناس الذين يتعرضون للسعات النحل من ردود أفعال موضعية متمثلة في الشعور بالألم، والتورم، والاحمرار، والحكة. بينما يعاني البعض من تورم مناطق أكبر حجمًا، وقد يستمر هذا العَرَض لفترة تصل إلى أسبوع. وإن كان للضحية ردود أفعال تَحَسُّسيّة من لسعات النحل في الماضي، فمن الممكن أن يعاني من العوار؛ وهو رد فعلٍ تَحَسُّسيّ شديد مهدد للحياة.
العلاج: الطريقة الأفضل لتلطيف رد فعل التعرض للسعة النحل هو إزالة ذنبها من الجلد بأسرع وقتٍ ممكن. ثم تمرير ثلج على المنطقة المصابة للحد من التهاب الجلد الناجم عن اللسلعة؛ كما يمكن أن تُهدئ مضادات الهيستامين من حدة الأعراض. وعلى الرغم من إمكانية علاج غالبية لسعات النحل في المنزل، فإن بعضها يتطلب رعاية طبية إضافية، وبخاصة إن ظهرت على المصاب أعراض العوار التي تتمثل في الطفح الجلدي، والشعور بالحكة في الجلد كله، والتورم الذي يمتد من موقع اللسعة، وصعوبة التنفس.
نصائح: تجنب التجول بالقرب من خلايا النحل أو حدائق الأزهار. لا تصاب بالذعر عندما تطير نحلة بالقرب منك؛ فالصراخ ومحاولة ضرب الحشرات من الطرق التي تضمن لك الإصابة بلسعاتها. ما عليك فعله عندما تهبط نحلة على بشرتك هو أن تبقى هادئًا وأن تقوم بنفخها بعيدًا بلطف.
النمل
لا ينجم عن لدغات معظم أنواع النمل إلا أضرار بسيطة، إلا أن لدغات بعض الأنواع قد تتسبب في أعراضٍ حادة. فعندما تلدغ تلك الأنواع كثيرًا ما تحقن الجلد أو ترشه بمواد كيميائية مثل حمض النمليك، مما يتسبب في ظهور أعراض متمثلة في الحكة، والألم، والتورم، وظهور البثور، وغيرها. ويمكن أن يعاني الأشخاص الذين يتحسسون من سم النمل من صعوبة في التنفس، وسرعة في ضربات القلب، والغثيان، والقيء، بالإضافة إلى التورم الشديد.
وتترك بعض أنواع النمل مثل النمل الناري زائدة حمراء ذات مركز فاتح اللون، مما قد يتسبب في المزيد من الألم والاهتياج. وعادة ما يكون الألم الناجم عن لدغة النمل الناري حارقًا، ولهذا أطلق عليه النمل الناري. وقد يكون الألم شديدًا ومجهدًا للغاية، إلا أنه نادرًا ما يتطلب رعاية طبية؛ حيث يستطيع جسم الإنسان تفكيك هذه السموم بسرعة كبيرة. إلا أن التورم الناجم عن اللدغة عادة ما يبقى لفترة بعد انقضاء الألم.
العلاج: اغسل المنطقة المصابة بالماء والصابون، ثم مَرِّر ثلجًا على مكان اللدغة؛ للتخفيف من التورم والآلام. لا تحك موضع الإصابة؛ لتجنب التهاب البشرة واهتياجها. وهناك بعد العلاجات الطبيعية للدغات النمل، مثل دهان موضع اللدغة بمعجون سميك من الخميرة والماء. كما يمكنك أيضًا وضع عصير ليمون على موضع اللدغة؛ حيث تعمل حموضة الليمون على معادلة الحمض الذي يحقنه النمل، ومن ثم إبطال مفعوله.
نصائح: إذا غزا النمل منزلك، استخدم عصير الليمون للتخلص منه، ونظف خزائنك جيدًا بالماء والصابون؛ لتتخلص من أية بقايا لاصقة. استخدم منظفات برائحة الليمون في تنظيف الأرضيات إن أمكن؛ وتأكد دائمًا أن الأرضيات خالية من فتات الأطعمة حتى لا يتكدس النمل حولها.
البعوض
تشيع تلك الحشرات على مستوى العالم في الفترة ما بين أواخر الربيع وحتى بدايات الخريف، وتكون في أوج نشاطها في وقت الغسق والشروق؛ حيث يكون من الصعب رؤيتها.
يفضل البعوض المناخ الرطب والدافئ، ويعيش ويتكاثر بالقرب من المياه؛ لأن يرقاتها لا تستطيع العيش إلا في المياه. وإناث البعوض هي فقط التي لديها القدرة على اللدغ، وينقل البعوض الكثير من الأمراض مثل الملاريا وفيروس غرب النيل، وهي أمراض تنتقل للإنسان والحيوان.
بعد التعرض للدغة البعوض، عادة ما يظهر على بشرة الشخص المصاب ورم يُسمى "البثرة"، وتكون هذه البثرة دائرية، ذات حوافَّ وردية أو حمراء، ويكون مركزها أبيض اللون. وإن كنت تتحسس من لدغات البعوض، فقد تعاني من الحكة على نطاق أوسع، وقد تحدُث أعراض الحكة، والتورم، والالتهاب جراء لدغة البعوضة نتيجة لرد فعل الجسم المناعي للعاب الذي حقنته أثناء اللدغة.
إلا أن حدوث رد فعل حاد للدغة البعوض أمر نادر. وهؤلاء الذين يمرضون بشدة سيعانون في أول الأمر من أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا مثل الصداع الشديد، وآلام الجسم، والغثيان، والطفح الجلدي.
العلاج: نظِّف المنطقة المصابة بالماء والصابون؛ حيث يعملان على تلطيف الحكة وتنظيف الجلد من البكتيريا. حاول تجنب حك الجلد بشدة؛ لأن ذلك من شأنه أن يدمر البشرة، بل وأن يدميها أحيانًا، ومن الممكن أيضًا استخدام الأدوية المضادة للحكة.
نصائح: لقد أثبت البحث العلمي أنه إن كنت تتعرض للدغات بعوضٍ متلاحقة، فإن ذلك يعزو إلى الرائحة التي تنبعث منك؛ فالبعوض ينجذب لروائح محددة يبعثها أناس بعينهم. ومن ثم، فالأشخاص الذين نادرًا ما يتعرضون للدغات تطلق أجسامهم رائحة تعطل حاسة شم البعوض؛ فالروائح التي تغطي الجسم تعمل بمثابة مصدات للبعوض.
وبصفة عامة، عندما تكثر الحشرات في شهور الصيف، استخدم مستحضرًا يدخل في تركيبه زيت دييت (إن، إن ـ ثنائي ايثيل ـ إم ـ تولوأميد DEET)*، على المناطق المكشوفة من الجلد وقتما تخرج. ومن المفضل أيضًا أن ترتدي ملابس واقية تغطي بشرتك في الأماكن التي قد توجد بها حشرات؛ بنطلونًا، وقميصًا بأكمام طويلة، وقبعة، وحذاءً. وللتمتع بعطلتك الصيفية، تذكر دائمًا هذه النصائح فهي ستحميك من اللدغات واللسعات المؤذية لأغلب الوقت.
المصطلحات
*دييت (إن، إن ـ ثنائي ايثيل ـ إم ـ تولوأميد DEET): هو زيت أصفر باهت، يعد أشهر مادة فعالة في الوقاية من الحشرات. ويجب تطبيقها على البشرة أو الملابس؛ حيث توفر حماية من مختلف أنواع لدغات الحشرات التي قد تنقل الأمراض.
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد صيف 2012.
المراجع
insects.about.com
scienceline.org
wisegeek.com
netdoctor.co.uk
emaxhealth.com
medicalnewstoday.com
articlesbase.com
traveldoctor.co.uk
allergies.about.com
ehow.com