التنوع الحيوي وصحة الإنسان

شارك

تعتمد حياة الإنسان على كلٍ من التنوع الحيوي وعمل الأنظمة البيئية الصحية؛ ويعد ثراء العالم بالتنوع الحيوي هو أساس التوازن البيئي اللازم لحماية صحة الإنسان. كما يوفر لنا التنوع الحيوي نماذج الأبحاث الطبية التي تساعدنا على فهم فسيولوجيا جسم الإنسان وكيفية التعامل مع الأمراض.

ومع ذلك فإن أنشطة الإنسان كالتلوث، وإزالة الغابات، وزيادة السكان تتسبب في تجزئة المواطن الطبيعية وانكماشها إلى حد فقدانها. ويؤدي ذلك إلى انقراض عدة فصائل مفيدة وتكاثر فصائل ضارة موجودة وجديدة، إلى جانب الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض، كالفيروسات والبكتيريا، والتي تؤدي إلى تفشِّي الأمراض المُعدِية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي تدهور التنوع الحيوي إلى ظهور أمراض مقاومة للمضادات الحيوية، وكذلك إلى قصور في التغذية بسبب عدم تنوع المواد الغذائية وتلوث المياه وتدني جودة الهواء، مما يؤدي إلى ارتفاع معدل إصابات الجهاز التنفسي.

وعلى سبيل المثال، فقد تفشى مرض الملاريا في منطقة الأمازون حيث تؤدي إزالة الغابات إلى تكوين مناطق من المياه الراكدة، ومن ثَمَّ خلق أماكن لتكاثر البعوض الذي يلعب دورًا كبيرًا في نقل الفصائل المميتة من طفيل البلازموديوم، والذي يتسبب في إصابة الإنسان بمرض الملاريا الخبيث، والذي تصاحبه معدلات كبيرة من المضاعفات والوفيات.

وعلى صعيد آخَر، يمكن محاربة مرض كالبلهارسيا بشكل طبيعي عن طريق المحافظة على التنوع الحيوي للقواقع الموجودة في المياه العذبة؛ حيث يمكن لوجود أنواع مختلفة من القواقع في الأماكن التي يخلف فيها الأشخاص حاملو العدوى البويضات الطفيلية المسسبة لنقل العدوى أن يساعد على دخول الميراسيديام؛ وهي مرحلة اليرقات الحرة الصغيرة من البلهارسيا؛ في القوقع الخاطئ ومن ثم أن تموت اليرقات الضارة من دون أن تتكاثر معترضةً بذلك دورة المرض.

وبالإضافة إلى ذلك، تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الأشخاص الذين يعتمدون على الأدوية التقليدية المستمَدَّة من الطبيعة بشكل كبير لعلاج عدد كبير من الأمراض الشائعة في الدول النامية بحوالي 80%. ويعد الحلزون المخروطي مثالاً على ذلك، فهو جميل الشكل وفي نفس الوقت قاتل حيث يفرز سمًّا مميتًا، إلا أنه يمثل أملاً كبيرًا كمصدر لمواد هامة طبيًّا مثل الزيكونوتايد، وهو من المسكنات غير الأفيونية المستخدَمة في التخفيف من الآلام الحادة والمزمنة.

ويشرح الدكتور أرون بيرنستين، من كلية الطب بجامعة هارفارد ومركز الصحة والبيئة العالمية، قائلاً: "الحلزون المخروطي، والذي ينقسم إلى 700 فصيلة، يمكن أن يعد أعظم الكنوز الدفينة في مجال العلاجات الممكنة من بين جميع الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض، ولكن نتيجة لأنه يحيا في أو بالقرب من الشعاب المرجانية فالخطر محدق به". وذلك لأن العديد من الممارسات البشرية مثل الإفراط في استغلال الموارد، والصيد باستخدام الديناميت، ومخاطر تغير المناخ تتسبب في الإضرار بالشعاب المرجانية.

وتمتد آثار التنوع الحيوي إلى أبعد من ذلك، فيؤثر بشكل كبير على صحة الإنسان العقلية والنفسية. إن رؤية الطبيعة والبقاء في الخارج يقلل من مستويات الاكتئاب، ويهدئ من معدل ضربات القلب، ويقضي على الإحساس بالغضب على الطريق. وعند توفر الضوء الطبيعي، يصبح العاملون أكثر سعادة وإنتاجًا ويتحسن أداء الطلاب في الامتحانات. ويُعَد ما أظهرته دراسة جديدة من جامعة شيفيلد من تفاصيل غير متوقعة تساهم في تلك الدراسة أمرًا مثيرًا للدهشة؛ حيث أظهرت أن مدى الفوائد النفسية التي يكتسبها البشر من المشي في حديقة عامة مرتبط بمدى التنوع الحيوي فيها!

من الضروري أن ندرك كبشر أن لنا أثرًا على التنوع الحيوي، وفي الوقت نفسه أنه لن يكون هناك وجود للإنسان من دونه، وأنه في حالة عدم حدوث تغير في طريقة استخدامنا للموارد الموجودة على كوكب الأرض، سوف يستمر فقدان التنوع الحيوي حتى نصل إلى درجة العجز عن الحفاظ على استمرار الحياة. ولن يتمكن البشر من الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض سوى عن طريق التعليم السليم والتضامن بين الأمم في اتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل الحفاظ على التنوع الحيوي.

*المقال الأصلي منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الثاني (2009–2010).

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية