بينما أتصفح آخر الأخبار عبر حسابي على الفيسبوك من خلال جهاز الآيفون الخاص بي، استوقفني مقال منشور بموقع "هافنغتون بوست" تحت عنوان "عشرة أسباب لمنع الأطفال دون الاثني عشر عامًا من استخدام الأجهزة المحمولة". في تلك اللحظة وجدتني أجفل وأنا أنظر إلى ابنتي ذات الستة أعوام المنشغلة بحماس بلعبة السرعة "صابواي سيرفر" (مُتَرَكْمِج الأنفاق) على جهاز الآيباد الخاص بها بعينين تركزان بإحكام في حين تتحرك أصابعها على الشاشة بسرعة الضوء.
سألتها: "عزيزتي، هل ترغبين في لعب لعبة ترتيب القطع؟" فلم أجد ردًّا. حاولت مجددًا: "حبيبتي، إنني أتحدث إليكِ"؛ فهزت كتفيها لا مبالية، في حين بقيت عيناها ثابتتين باهتمام على الشاشة. تحركت في جلستها بعيدًا عني بعض الشيء؛ لتعود إلى الانهماك في اللعب، وقد اختارت أن تنغمس تمامًا في عالم الأنفاق الخاص بها.
ضغطتُ على الرابط وتأملت الكلمات لوهلة، آملة دون ثقة أن أجد المقال غير مقنع. كتبت المؤلفة كريس روان؛ خبيرة العلاج الوظيفي لطب الأطفال – أيًّا كان ذلك: "أدعو الآباء والأمهات، والمعلمين، والحكومات لمنع الأطفال دون الاثني عشر عامًا من استخدام جميع الأجهزة المحمولة". وقد ألحقت نداءها بعشرة أسباب تدَّعي أنها قائمة على بحوث تستدعي هذا الحظر؛ منها: الحرمان من النوم، وداء السمنة، وتأخر النمو العقلي، والأمراض العقلية، والعدوانية، والإدمان، والخرف الرقمي.
وتربط الكاتبة مقالها بدراسات من الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال، والجمعية الكندية لطب الأطفال، ومؤسسة كيزر، ومؤسسة الأطفال الأصحاء والنشطاء بكندا، ومؤسسة كومن سينس ميديا بوصفها مصادر رسمية لدعم ندائها.
"ماما، هل بإمكاني تحميل لعبة جديدة؟ أرجوكِ يا ماما، أرجوكِ اكتبي كلمتك السرية هنا". نظرت ابنتي إليَّ بعينين متوسلتين وهي تدفع بالآيباد الخاص بها في يدي، دون أن تنتظر إجابة مني. عرضت عليها: "لمَ لا تقومين بعمل شيء آخر غير اللعب بالآيباد، مثل اللهو بألعابك أو قراءة كتاب؟" فصاحت قائلة: "ولكن يا ماما، أريد هذه اللعبة بشدة!" وقد امتلأت عيناها بالدموع وبدأت شفتها السفلى في الارتجاف مهددة بانفجار هستيري كامل إذا أصررت على أن تقوم بما اقترحته.
"قد تبين وجود ارتباط بين تحفيز المخ النامي الذي يسببه التعرض المفرط للتكنولوجيا – مثل الهواتف المحمولة، والإنترنت، وأجهزة الآيباد، والتلفزيون، وغيرها – والتأثير السلبي في الأداء الوظيفي والانتباه، والتأخر المعرفي، والتأخر الدراسي، وزيادة الاندفاع، وتراجع القدرة على ضبط النفس، مثل سرعة الغضب
(Small, 2008; Pagini 2010)."
"فقد يؤدي المحتوى الإعلامي العنيف إلى العدوان لدى الأطفال (Anderson, 2007)." "وقد يسهم المحتوى الإعلامي السريع في نقص الانتباه، فضلًا عن انخفاض معدلات التركيز والذاكرة، ويرجع ذلك إلى تشذيب المخ للمسارات العصبية الأمامية إلى القشرة الأمامية (Christakis, 2004; Small, 2008)."
بدأت أشعر بالذعر كلما انغمرت في الكلمات الواردة بالمقال، وقد عادت إلى ذهني كل تلك الأوقات التي انفعلت فيها ابنتي غاضبة، أو شَعَرت فيها بتشتت انتباهها عني أثناء أداء الفروض المنزلية. هل أضر طفلتي حقًّا بسماحي لها باستخدام التكنولوجيا الحديثة؟
فأنا، وغيري من الآباء، دائمًا ما اعتبرنا المهارات التكنولوجية جزءًا رئيسيًّا من عملية التعلُّم. فبالسماح لابنتي باستخدام التكنولوجيا الحديثة مثل الكمبيوتر والأجهزة المحمولة في سن صغيرة، فأنا أحرص على عدم تخلفها أو معاناتها من "الفجوة الرقمية" مستقبلًا. فأنا أعدها كي تصبح شخصًا يتمتع بالذكاء والحنكة من الناحية التكنولوجية؛ لتكون قادرة على تحقيق الاستفادة القصوى من التكنولوجيا الحديثة ولتكون تلك دافعًا لها، ولكي تستطيع تشغيل أي جهاز جديد يعترض طريقها.
وإنها لحقيقة أنني – وكثيرين مثلي – أحيانًا ما أقع في خطأ إساءة استخدام تلك التكنولوجيا الثمينة، عن طريق السماح لها بمجالسة طفلتي عوضًا عن التواصل مع ابنتي بشكل أكبر. فأعترف بأنني في بعض الأحيان أدفع طفلتي لاستخدام أجهزتها الإلكترونية لكي أتفرغ لبعض الوقت، وليس فقط لكي تتعلم شيئًا جديدًا أو لتستفيد من استخدامها.
كما هو حقيقي أيضًا أن التكنولوجيا الحديثة بأسرها ليست واحدة. فألعاب الفيديو نفسها تأتي في عديد من النكهات، والأصناف، ومستويات التعقيد؛ وهي حقيقة قد تجاهلها مقال هافنغتون بوست. فعلى سبيل المثال، فإن لعبة "ليرن ماي ألفابيت" (تعلم الأبجدية) لا تحاكي لعبة "جراند ثيفت أومو" (سرقة السيارات الكبرى)؛ كما أنه بإمكان لعبة "أنجري بيردز" (الطيور الغاضبة) أن تعلم الأطفال الفيزياء، في حين لا تستطيع لعبة "فروت نينجا" (نينجا الفاكهة) ذلك.
وقد أغفلت الكاتبة أيضًا الإشارة إلى أن معظم الأبحاث المشار إليها ترتبط بالتعرض السلبي لبرامج التلفزيون مجهولة الهوية وألعاب الفيديو العنيفة، لا للبرامج التعليمية التفاعلية أو للألعاب البسيطة التي تعزز مهارات حل المشكلات أو البراعة، مثل "صابواي سيرفر" أو "فروت نينجا" السالف ذكرهما.
ولم تشر الكاتبة أيضًا إلى وجود أبحاث أخرى تقترح وجود صلة إيجابية بين الألعاب والنمو العقلي، وكذلك الأبحاث التي تؤكد أن الأجهزة المحمولة والبرامج التلفزيونية أدوات فعالة في عملية التعلُّم، وخاصة بمشاركة أحد الوالدين أو المعلم Chiong, C. (2010); Fisch, S.M. (2004).
عندما ناقشت دعوة الكاتبة لحظر استخدام الأجهزة المحمولة مع آباء آخرين، وجدت أن معظمهم يميلون إلى السيطرة على الاستخدام والإشراف عليه بدلًا من المنع التام، وهو الأمر الذي رأته الأغلبية غير واقعي أو مبرر.
فلا يريد أي والد أن يرى أطفاله متأخرين في مجال هام مثل المهارات التكنولوجية. ومع ذلك، فهل نحن قادرون حقًّا على أن نتحكم في استخدام تلك الأجهزة؟ أو أننا سوف نقع في خطأ سوء الاستخدام؟
تذمرت ابنتي "ماما، أرجوكِ، اللعبة الجديدة..."؛ فاقترحت عليها "ما رأيك في أن نلعب لعبة ترتيب القطع معًا، ثم بإمكاننا أن نلعب سويًّا لعبة على الآيباد، لعبة نختارها معًا؟"
في تلك اللحظة أضاء وجهها عند سماع الكلمة السحرية: معًا.
المراجع
www.huffingtonpost.com
www.slate.com
www-tc.pbskids.org
*المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد ربيع 2015.