هل تساءلت يومًا ما الذي سيحدث إذا ضللت طريقك في الصحراء؟ ماذا إذا لم يكن بحوزتك أي شيء لإنارة ظلام الليل الحالك سوى مجموعات من النجوم المتناثرة في السماء؟ حسنًا، لن يشكل ذلك مشكلة على الإطلاق إذا كنت خنفساء، أو طائرًا، أو فقمة. يمكن للضياع في الصحراء أن يودي بحياة هؤلاء ممن لا يمتلكون آليات الملاحة، وهي القدرة على العثور على الطريق بدون استخدام الخرائط أو المعدات. إذًا، كيف يمكن للنجوم مساعدة بعض المخلوقات على إيجاد طريقهم في الظلام؟
سحر ليلي
الحيوانات الليلية هي تلك التي تصبح نشيطة ومستعدة لممارسة حياتها بالليل، ويرجع ذلك إلى عديد من الأسباب، مثل: الهجرة، أو الصيد، أو التزاوج، أو البحث عن الطعام. فتجعل من الليل وسيلة للحماية من الكائنات المفترسة، أو الشمس الحارقة، أو أي من العناصر الأخرى التي تهدد سلامتها؛ وهذا هو وقت السحر.
بناءً على دراسة قدمتها جامعة لوند بالسويد، فالحيوانات الليلية تتبع مجموعات من النجوم وترصد النجوم الفردية للاستدلال على الطريق. وتلك المقدرة ليست بالسهولة التي تبدو بها؛ فهي في الواقع خاصية شديدة التعقيد، وتحتاج إلى دراسة أكثر دقة. جدير بالذكر أن كل نوع من الكائنات لديه طريقته الخاصة للملاحة. فعلى سبيل المثال، فإن بعض أنواع الحيوانات إلى جانب البشر لديها عيون كاميرا تمكنها من الملاحة بالطريقة نفسها عبر رصد النجوم الفردية. وعلى الجانب الآخر، فللحشرات عيون مركبة تمكنها من الملاحة باستخدام طريقة مختلفة تمامًا.
نظام تحديد المواقع لدى الطيور
لطالما اعتدنا أن نأخذ هجرة الطيور أمرًا مسلمًا به، وبالرغم من هذا، فإنها عملية مذهلة وغاية في الذكاء. فبينما تستخدم بعض الطيور الحقل المغناطيسي للأرض في الملاحة، يحصل بعضها الآخر على المساعدة من القمر والسماء لمعرفة الطريق. واستنتج العلماء أن الطيور تحدد مركز دوران السماء المرصعة بالنجوم خلال عملية التوجه لديها؛ ويمكن استخدام خاصية التوجه تلك في أي ساعة وفي أي ليلة.
أُحضرت طيور برية إلى القبة الفلكية في لونجواي لدراسة استراتيجيات التوجه لديها؛ وكشفت التجربة بعض المعلومات المثيرة للاهتمام. فبالنسبة إلى طيور «النيلي النائم»، لا يهم حقًّا سواء استطاعت رصد النجوم الفردية أم لا، فهي تهتم أكثر برؤية الدوران لأقرب أنماط نجمية حول نقطة مركزية. ففي البرية، تمكنها تلك الاستراتيجية من تحديد اتجاه الشمال، وتستخدم تلك المعلومة للاتجاه جنوبًا من أجل هجرتها الشتوية.
توجه درب التبانة
من المدهش أن العلماء اكتشفوا أن الحيوانات والطيور ليست الكائنات الوحيدة التي لديها القدرة على الملاحة؛ وإنما توجد تلك القدرات لدى الحشرات كذلك. كما ذكرنا سابقًا، فالحشرات مثل خنافس الروث تمتلك عيونًا مركبة. وهذا يعني أنه ليس بإمكانها رصد النجوم الفردية؛ لعدم قدرة عينيها شديدتي الصغر على رؤية تلك النجوم، فتقوم خنفساء الروث بالملاحة باستخدام الضوء المنبعث من مجرة درب التبانة لمعرفة الاتجاه الصحيح؛ مما يجعلها أول حشرة تعرف في التاريخ بالتوجه مستدلةً بالمجرة. وليس هذا فقط، فقدرة خنفساء الروث على الملاحة باستخدام أنماط الاستقطاب في ضوء القمر، تجعلها أول حيوان يستخدم تلك الوسيلة للتوجه. ما يجعل كل ما سبق مذهلًا بحق هو أن خنفساء الروث كائن صغير جدًّا يمتلك دماغًا بحجم حبة أرز، وبالرغم من هذا، فلديها قدرة مثيرة للإعجاب، يحلم كثير منا بامتلاكها.
ذكاء ملاحي مستتر
لا تتوقف قصة فقمات المرافئ، تلك الثدييات البحرية الودودة، عند كونها ظريفة ومضحكة فحسب؛ فهنالك أكثر من هذا بكثير! فلأنها تستهلك كثيرًا من وقتها بحثًا عن الطعام ليلًا دون الاستدلال بأي معالم أرضية، كان يجب إجراء تجربة للتحقيق في قدرات الفقمات الملاحية. في عام 2006، أُحضرت فقمتان من الفقمات الأسيرة بمركز علوم البحار في ألمانيا، ووضعتا بداخل قبة فلكية عائمة، صممت خصيصًا لهما. دربت الفقمتان على السباحة في اتجاه نجوم مرشدة محددة؛ فاكتشف فيما بعد أن كلتيهما بإمكانهما تحديد نجم واحد من خلال إسقاط واقعي لنصف الكرة الشمالي. وتشير تلك النتائج إلى أن الفقمات ربما تستخدم نجومًا مرشدة محددة بصفتها الدليل الملاحي للذهاب بعيدًا عن الشاطئ؛ وهذا يجعله أول دليل علمي على ثدييات بحرية توجهها النجوم.
الماوري
كان يا مكان، في يوم من الأيام استطاع البشر الملاحة أيضًا! كانت قبيلة بدائية من بولونيزيا تدعى الماوري، وصلت تلك القبيلة إلى نيوزيلندا بين عامي 1280 و1300. لم يحمل أهل القبيلة معهم أي معدات أو جداول يلجأون إليها للتشاور، وبدلًا من هذا، اعتمدوا اعتمادًا تامًّا على السماء كمرشد لهم. فاعتمدت عملية الملاحة لديهم على رصد سماء الليل، وأنماط الطقس المحلية، والتيارات المحيطية للوصول إلى وجهتهم.
مدهش، أليس كذلك؟ في زمن نظام تحديد المواقع العالمي، والخرائط، والتكنولوجيا الملاحية، أصبح من المستحيل تقريبًا أن نرى بشريًّا يمارس الملاحة الطبيعية. هل هذا يعني أننا لن نستطيع الملاحة بعد الآن بشكل طبيعي على غرار الحيوانات؟ في الواقع، نحن نستطيع؛ فمثل أي مهارة أخرى، تحتاج الملاحة إلى الممارسة والتدريب. لقد ولدنا بغريزة ملاحية؛ ولكن بسبب التطور التكنولوجي، توقفنا عن استخدام مهارات التوجيه النجمي لدينا بالتدريج حتى أصبحنا لا نعرف كيفية القيام بذلك.
ويخصص بعض الملاحين المولعين وقتًا لتعليم الآخرين كيفية القيام بملاحة خالية من التكنولوجيا بناءً على خبرتهم. إذا كنت أنت أيضًا مشغوفًا، وتريد الوصول إلى أعمق غرائزك المخبأة، فألقِ نظرة على ذلك المقال، وبإمكانك أيضًا قراءة كتاب The Natural Navigator لمزيد من المعرفة بهذا المجال المثير للاهتمام.
المراجع
nationalgeographic.com
ncbi.nlm.nih.gov
sci-news.com/biology
sci-news.com/nocturnal-animals
space.com
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد ربيع 2020.