معجزات طبية بحرية

شارك

قال أفلاطون: "تشفي البحار جميع أمراض الإنسان". فكانت صورة أفروديت - إلهة الجمال لدى الإغريق - وهي تخرج من مياه البحر، رمزًا للجمال الذي منحته إياها النباتات البحرية. واليوم، ما زالت تلك النباتات مصدرًا للجمال للإنسان وللعالم بأسره.

يشكل التنوع الحيوي الأساس الطبيعي لإنتاج المركَّبات الكيميائية المختلفة والتي تُستخدم لعلاج الأمراض. وعلى مر الأعوام الأخيرة جذبت الكائنات البحرية اهتمامًا كبيرًا كمصدر هام للدواء. ولقد أصبح استخراج الأدوية من الكائنات البحرية وتطويرها وإنتاجها؛ ومنها البكتيريا والفطريات والطحالب الدقيقة والإسفنج، أمرًا هامًّا للغاية، ولذلك بدأت البرامج تتمحور حول المزج بين علماء البحار الأكاديميين والباحثين في الأدوية الحيوية لتطوير صناعة الدواء.

هنا، نلقي بعض الضوء على بعض أمثلة العلاجات الإعجازية الموجودة في الكنوز التي تخبئها البحار:

يتم تجهيز كبد سمك القد(1) لإنتاج الزيت، وهو مكمِّل غذائي يحتوي على مستويات عالية من أحماض أوميجا 3 الدهنية،(2) وفيتامين (أ) وفيتامين (د). وتساعد أحماض أوميجا 3 الدهنية على محاربة والوقاية من أمراض القلب، والسرطان، والاكتئاب، والزهايمر،(3) وكذلك القرح، ومرض السكر، وارتفاع ضغط الدم، وغيرها من الأمراض. كما تساعد أيضًا على زيادة القدرة على التركيز وكذلك مستوى النشاط الحيوي للجسم. ويستخدم زيت كبد القد للتخفيف من أعراض التهاب المفاصل. كما يُعطَى للأطفال بشكل عام لأن المستويات العالية من فيتامين (د) تحمي من الإصابة بالكُساح. وبالإضافة إلى ذلك، فإن زيت كبد القد هو أحد مكونات مراهم معالجة الطفح الجلدي الناتج عن الحفاظات، وذلك لأن فيتامين (أ) وفيتامين (د) يستخدمان في علاج الالتهاب.

Source.

يستخدم الكيتوزان المشتق من مادة الكيتين المتوافرة في هياكل القشريات - القريدس والكركند وسرطان البحر والمحار -  في صناعة مرطبات البشرة. كما أن خصائصه تساعد على سرعة تجلط الدم؛ ولذلك يستخدم مؤخرًا في الضمادات وما إلى ذلك.

أما كالسيتونين السلمون، وهو نسخة مصنعة لهرمون الكالسيتونين ومستخرجة من السلمون، فهو يستخدم كبديل للكالسيتونين البشري الذي تفرزه الغدة الدرقية. فالعظام دائمًا في حالة إعادة تشكيل؛ حيث تزيل الخلايا الماصة للعظم، والمعروفة بالأوستيكلاستس، العظام القديمة، بينما تضع الخلايا المصنعة للعظم، والتي تعرف بالأوستيوبلاستس، عظامًا جديدة. ويقوم الكالسيتونين بالحدِّ من عملية إزالة العظام ودعم عملية تكوين العظام. لذلك يستخدم هرمون كالسيتونين السلمون في علاج هشاشة العظام وارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم.

ويشكل السُّم المستخرج من بعض الحلازين المخروطية أملاً في إنتاج مسكنات للآلام أكثر فاعلية من المورفين، وقد يصبح بديلاً له. وقد تم التصديق على أول مسكن زيكونوتايد(4) مشتق من سم الحلازين المخروطية بمعرفة الإدارة الأمريكية للغذاء والدواء في ديسمبر 2004، وأُطلِق عليه اسم "بريالت". وتوجد أدوية أخرى في طور التجربة المعملية، ومنها مركبات قد تُستخدم في علاج الزهايمر، ومرض الباركينسون(5) والصرع.

كما تستخدم الألجينات الموجودة في خلايا جدران الطحالب البنية في صورة كالسيوم وماجنيسيوم وأملاح حامض الألجنيك بشكل كبير في الأغراض الدوائية. ويستخدم كالسيوم الألجينات في إنتاج ضمادات الحروق؛ وهي تساعد على الشفاء وتكون أقل ألمًا عند نزعها من الضمادات التقليدية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأعشاب البحرية لها فوائد صحية أخرى كإمداد اليود اللازم للمحافظة على وظائف الغدة الدرقية بصورة جيدة والوقاية من تضخمها، وكذلك إمدادات الفيتامينات والمعادن اللازمة لصحة البشرة والعيون والكبد والمثانة.

Source: Shutterstock

ولقد انتشر استخدام بدائل العظام المصنوعة من الشعب المرجانية الطبيعية المأخوذة من الهيكل الخارجي للشعاب البحرية. فبنية بعض الشعب الشائع استخدامها تشبه تلك الخاصة بالعظام المسامية، وعند التطبيق الملائم والتوفيق بين مُعدَّل الارتشاف ومعدل تكوين العظام في موقع الغرس فإن البدائل من الهياكل الخارجية للشعاب المرجانية الطبيعية قد أثبتت أنها بدائل مذهلة لشرائح لعظام.

ولا تنحصر المعجزات الطبية للبحر في كائناته فقط، بل إنها موجودة أيضًا في مياهه نفسها. فالبحر الميت، وهو بحيرة تحيطها الأراضي من جميع النواحي، ما هو إلا أعجوبة عتيقة قد عالجت وشفت وألهمت الإنسانية لآلاف السنين. ولقد أمد البحر الميت البشرية بالمعادن الغنية، والأملاح وكذلك الطين العلاجي. وتركيز الملح والمعادن في البحر الميت أكبر من أي مسطح مائي؛ ولذلك لا يستطيع أي كائن أن يعيش فيه. ومع ذلك، فإن هذا التركيز نفسه من المعادن هو ما يجعل من البحر الميت مركزًا رئيسيًّا للبحوث الطبية والعلاج.

ويحتوي البحر الميت على ما يزيد عن 21 معدنًا، منها 12 ليس لها وجود في أي بحر أو محيط آخر. وبه أعلى تركيز من البروميد والماجنيسيوم والكالسيوم والسيليكا والصوديوم والبوتاسيوم من بين كل الأحواض الطبيعية للمياه المالحة في العالم. والمنتج الصحي الطبيعي الأكثر شهرة من منتجات البحر الميت هو طين البحر الميت الأسود الغني بالمعادن والخصائص العلاجية للبشرة. وهو فعَّال في معالجة أمراض عديدة كالصدفية والإكزيما والتهاب المفاصل. واليوم، يتم تصدير هذا الطين لجميع أنحاء العالم ليتمتع الناس بفوائده من دون الحاجة إلى السفر.

حاليًّا، هناك حوالي 11,000 منتج طبيعي مستخرج من البحار، مقارنة ﺒ155,000 منتج أرضي طبيعي. وأسرار البحار ما هي إلا كنوز تنتظر أن يكتشفها العلم الطبي؛ فعالم البحار يشكل مصدرًا ثريًّا من المركبات المبتكرة، كما يشكل تحديًا عظيمًا يستلزم تدخل مناطق علمية متعددة وذلك لرفع مستوى التنوع الكيميائي البحري ليصل إلى ما يمكنه تحقيقه من الناحية العلاجية.

قاموس المصطلحات:

  1. سمك القد: سمك القد نوع رئيسي من أسماك الطعام، يعيش في المياه الشمالية للمحيطين الهادئ والأطلنطي. تعيش أسماك القد بالقرب من قاع المحيط، لكنها تصعد غالبًا إلى منتصف عمق الماء، وأحيانا تقترب من السطح عند تناولها الطعام.
  2. أحماض أوميجا 3 الدهنية: هي الأحماض الدهنية الأساسية اللازمة لصحة الإنسان، والتي لا يستطيع الجسم إنتاجها. ويتم توفيرها من خلال المواد الغذائية، مثل الأسماك، والسلمون، والتونة، والهلبوت وغيرها من المأكولات البحرية بما فيها الطحالب والكريل، وبعض النباتات، وزيوت المكسرات.
  3. مرض الزهايمر هو مرض يأتي في المخ مجهول المنشأ يؤدي إلى فقدان الذاكرة التدريجي، وضعف الذهن، والتوهان، والتغيرات في الشخصية والمزاج.
  4. الزيكونوتايد هو عامل مسكن يستخدم للتخفيف من الآلام الحادة والمزمنة.
  5. باركنسون هو مرض مزمن عصبي متدرج، يحدث غالبًا في مراحل متقدمة من الحياة، ومن خصائصه ارتجاف العضلات المسترخية، وتصلب وبطء الحركة وضعف التوازن.

**المقال الأصلي منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد الفصل الدراسي الأول، 2010-2011.

من نحن

«كوكب العلم» مجلة علمية ترفيهية باللغتين العربية والإنجليزية يصدرها مركز القبة السماوية العلمي بمكتبة الإسكندرية وتحررها وحدة الإصدارات بقطاع التواصل الثقافي ...
مواصلة القراءة

اتصل بنا

ص.ب. 138، الشاطبي 21526، الإسكندرية، جمهورية مصر العربية
تليفون: 4839999 (203)+
داخلي: 1737–1781
البريد الإلكتروني: COPU.editors@bibalex.org

شاركنا

© 2024 | مكتبة الإسكندرية