تضم الأرض مجموعة متنوعة من النظم البيئية التي تندرج تحت فئتين: المائية والأرضية. وتُعد البيئة الجبلية من أهم النُظُم البيئية الأرضية؛ حيث تغطي الجبال ما يقرب من 24% من مساحة الأرض في العالم على ارتفاعات مختلفة. وهي أكثر انحدارًا وحجمًا وطولًا من التلال؛ فتصل ارتفاعاتها لأكثر من 600 متر.
إذًا، كيف تتكون الجبال؟ حسنًا، تكوِّن الحركة المستمرة وتصادم الصفائح التكتونية الضخمة التي تشكل قشرة الأرض تضاريس أعلى من سطح الأرض المحيطة بها. وتُصنف الجبال وفقًا لنوع الصخور التي تتكون منها، وأشكالها، وموقعها على سطح الأرض، مثل: الجبال الالتوائية، وجبال الكتل الصدعية، وجبال القبة، والجبال البركانية، بالإضافة إلى الهضاب.
تسكن المناطق الجبلية مجتمعات بشرية مميزة، تمثل ما يقرب من 10% من سكان العالم، كما تضم مجموعة كبيرة من الموائل؛ حيث تعيش فيها أنواع حية مختلفة. على سبيل المثال، تضم سلسلة جبال سييرا نيفادا قرابة 10.000-15.000 نوع من النباتات والحيوانات، وتختلف خصائص النُظُم البيئية الجبلية وفقًا لارتفاع الجبال، والأقاليم الأحيائية، وأجسام المياه المحيطة بالجبال.
يميل المناخ الجبلي إلى البرودة والرطوبة، ويكون الهواء رفيعًا على المستويات المرتفعة في الجبال؛ حيث يقل الأكسجين للتنفس، ويزداد الضغط، وتنخفض درجة الحرارة. يُطلق على هذا المناخ اسم «المناخ الألبي»، نسبة إلى مناخ المناطق المرتفعة عن مستوى الأشجار أو مناخ المناطق المرتفعة. وفصلا الصيف والربيع قصيران على الجبال؛ حيث تغطيها الثلوج معظم العام.
ونتيجة المناخ القاسي والطبيعة الهشة للجبال، تم أدرجت المنظمات المختلفة في جميع أنحاء العالم أعداد كبيرة من النباتات والحيوانات الجبلية في قوائم الكائنات المعرضة لخطر الانقراض. والنُظُم البيئية الجبلية معرضة لعدة عوامل تغيير سواء طبيعية أو بشرية؛ حيث تواجه عددًا من الكوارث الطبيعية التي من شأنها تدمير الموائل، مثل: الانهيارات الجليدية، وعوامل التعرية، وتدفق الحمم البركانية، والزلازل. وبإمكان الحيوانات والنباتات الجبلية التكيُّف مع البيئة المحيطة من أجل البقاء.
توفر النُظُم البيئية الجبلية عديدًا من الخدمات البيئية، ليس لسكان الجبال والأماكن المحيطة بها فقط، بل تساهم أيضًا بشكل مباشر وغير مباشر في صالح نصف سكان العالم تقريبًا؛ حيث تؤدي دورًا أساسيًّا في التأثير في المناخ العالمي والإقليمي وكذلك الأحوال الجوية.
تعتمد كمية الأمطار التي تتساقط على الأراضي المحيطة بالجبال على الجبال بشكل كبير؛ حيث تحجب الرياح وتتلقى أمطارًا أكثر. فعندما يتدفق الهواء فوق الجبل، فإنه يندفع نحو الأعلى؛ ثم يبرد، ما يتسبب في تكثيف الرطوبة فتتساقط الأمطار. عندما يهبط الهواء في الجزء المحمي، يسخن ويصبح أكثر جفافًا، وذلك لأن الرطوبة في الجو قد تلاشت في أثناء الصعود. تتساقط الأمطار بشكل أكبر على جوانب الجبال المواجهة للرياح في حين تتلقى الجوانب الأخرى كميات أقل من الأمطار؛ ما قد يؤدي إلى مناخ أكثر جفافًا.
يعمل الثلج الذي يغطي قمم الجبال كمرآة تعكس كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي، ما يقلل كمية الطاقة الكلية التي يمتصها سطح الأرض. ومع ذوبان الثلج، تخف سماكة المرآة ومن ثمَّ يخترق الأرض مزيد من الأشعة الشمسية؛ ما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض وزيادة كمية بخار الماء في الغلاف الجوي أيضًا. علاوة على ذلك، فإن هذا الارتفاع المستمر في درجات الحرارة يؤدي إلى ذوبان الأنهار الجليدية، والثلوج على قمم الجبال بشكل أسرع؛ الأمر الذي قد يتسبب في حدوث الفيضانات.
تأتي 60-80% من المياه العذبة في العالم من الجبال؛ فجميع الأنهار الرئيسية في العالم منبعها في الجبال الجليدية المعروفة باسم «أبراج المياه». في المناطق الرطبة حول العالم، قد تصل نسبة المياه المولدة في الجبال إلى ما يقرب من 60% من إجمالي المياه العذبة المتوافرة في الأحواض المائية، في حين تصل هذه النسبة إلى 90% في المناطق شبه القاحلة والجافة.
يعتمد ما يقرب من نصف سكان كوكب الأرض على المياه الجبلية، إما للشرب وإما كمصدر للطاقة أو للزراعة. فتُعد المياه الجبلية مصدرًا للطاقة الكهرومائية؛ حيث يُستخدم أغلبها على المسطحات أسفل الجبال. قديمًا، كانت تستخدم السواقي في المناطق الجبلية لتوليد الطاقة اللازمة لطحن الحبوب بشكل أساسي. أما الآن، فتُستخدم توربينات الطاقة المائية لتوليد الكهرباء. ويؤثر تغير حجم الأنهار الجليدية الجبلية وأنماط ذوبان الجليد الموسمية في موارد المياه في أجزاء كثيرة من العالم.
تؤثر المعدلات المتزايدة في التغيرات البيئية والمصحوبة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في قدرة النُظُم البيئية الجبلية على توفير خدماتها المعتادة اللازمة لصالح جميع سكان العالم، وليس لسكان الجبال فقط. فيتمثل التحدي في إيجاد فرص جديدة ومستدامة يمكن أن تفيد كلًّا من سكان الجبال والمناطق المحيطة أسفلها، والتي قد تساعد أيضًا على القضاء على الفقر دون الإسهام في تدهور النُظُم البيئية الهشة.
تسعى أهداف التنمية المستدامة إلى «ضمان الحفاظ على النُظُم البيئية الجبلية، بما في ذلك التنوع البيولوجي بها، من أجل تعزيز قدرتها على توفير المنافع الضرورية للتنمية المستدامة». تعمل المنظمات الدولية والإقليمية، بالإضافة إلى المجموعات المتخصصة في إنقاذ الجبال، جاهدة لتعزيز فهم النُظُم البيئية الجبلية، والحفاظ على التنوع البيولوجي، والتنمية المستدامة. كذلك تعمل على تطوير سياسات تساعد على إدارة النُظُم البيئية الجبلية، بما في ذلك التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه.
المراجع
nationalgeographic.com
sciencing.com
britannica.com
sciencedirect.com
iucn.org
هذا المقال نُشر لأول مرة مطبوعًا في مجلة «كوكب العلم»، عدد شتاء 2019.
Image by wirestock on Freepik