تخيل نفسك في مقهى تطلب كوبك المفضل من الشاي، فيجيبك النادل «عذرًا سيدي، لم يعد لهذا المشروب وجود في الأسواق، لقد أُعلن عن انقراضه». كابوس أن تعرف أن أحد مصادر بهجتك قد انقرض، أليس كذلك؟ في السنوات الأخيرة نتج عن تغير المناخ عاصفة شديدة تهدد وجود نبات الشاي وغيره من النباتات –اقرأ مقال «أساطير القهوة والشوكولاتة» في عدد شتاء/ ربيع 2022». فقد حان الوقت لأن نسأل أنفسنا: هل يمكننا التكيف مع مستقبل دون كوبنا المفضل من الشاي؟
إن الشاي ثاني أعلى المشروبات استهلاكًا على وجه الأرض بعد الماء، كما أنه جزء من تقاليد عديدة، وله أنواع وتقنيات تقديم متنوعة. ففي ثقافتنا المصرية، على سبيل المثال، يتوفر الشاي في كل منزل تقريبًا، ويتناوله الأفراد من الصباح حتى المساء، كما يُعد أحد علامات الاحترام والتقدير، ولا سيما رمزًا للصداقة والضيافة والكرم.
ويقدم مشروب الشاي ساخنًا أو مثلجًا، بغض النظر عن حالة الجو. لمشروب الشاي نكهات ومذاقات لا تنتهي، كما لا تنحصر فوائده في كونه مشروب منعش، إذ اكتشف في مكوناته الآن فوائد طبية. ارتبط تقليد شرب الشاي منذ القدم بتعزيز الصحة العامة، وقد رسخت الأبحاث الحديثة هذا الاعتقاد أيضًا. فقد أظهرت دراسات عديدة أن تناول الشاي قد يقي من أمراض مزمنة عديدة، مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما يعزز جهاز المناعة وعملية الأيض، ويساعد على إنقاص الوزن.
تمتلك الصين أكبر سوق للشاي على الإطلاق بالعالم، وتحتل الهند واليابان المركزين الثاني والثالث. الشاي له تاريخ عريق، ويُنسب شُرب الشاي لأول مرة إلى الصين. فتروي إحدى الأساطير العديدة عن نبات الشاي أن الإمبراطور الصيني شينونج كان يحب شرب الماء المغلي، فكان أول من اكتشف هذا النبات في عام 2737 قبل الميلاد. وفي أحد الأيام، بينما كان مستلق تحت شجيرة شاي برية، سقطت ورقة ميتة خطأً في كوبه، لتصنع منقوع الشاي الأول على الإطلاق. أخذ الإمبراطور رشفة بعدما فتنته الرائحة، فوجده مشروبًا منعشًا جدًّا، ومن هنا بدأت قصة مشروب الشاي.
توجد أساطير مختلفة عن تاريخ نبات الشاي، مثلما توجد أشكال مختلفة له مثل: الشاي الأسود، والشاي الأخضر، والشاي الأبيض، وشاي أولونج (شاي صيني تقليدي). وكلها تُنتج من شجرة الشاي نفسها المعروفة باسم «الكاميليا الصينية» –من جنس «الكاميليا» أحد أجناس النباتات المزهرة– وتعيش لفترات طويلة وتحتاج في زراعتها إلى مناخات باردة؛ ومع ذلك، تؤثر عملية الحصاد في المنتج النهائي. تكتسب أوراق الشاي خصائصها الفريدة بعد الحصاد وفي أثناء عملية تجفيفها مع وجود مستويات أكسدة متباينة؛ فتؤدي عملية الإنتاج إلى أنواع مختلفة من الشاي.
ويُعد تغير المناخ أحد المخاطر الرئيسية التي تهدد إنتاج الشاي بمعدل متزايد الأهمية. يهدد إنتاج الشاي ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف الشديد، وهطول الأمطار غير المنتظم والغزير، وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة، بالإضافة إلى الآفات والأمراض. وكل تلك السيناريوهات عن التقلبات المناخية غير المؤكدة ومدى ملائمتها وغيرها، دون تدخلات، تهدد إنتاج الشاي في مواقع محددة. كشفت «القائمة الحمراء» لأشجار «الثياسي» المهددة بالانقراض، والمنشورة عام 2017، عن أن ما يقرب من نصف أنواع «الكاميليا» معرضة لخطر الانقراض في البرية. وقد قيم التقرير «الكاميليا الصينية»، رغم استزراعها عالميًّا، بأنها «ناقصة البيانات»، وذلك بسبب نقص المعلومات المتاحة عن الأنواع البرية.
ونبات الشاي يتأثر بالفعل بتغير المناخ؛ ولذلك يجب زيادة الوعي بعوامله لإيجاد استراتيجيات التخفيف المناسبة. ويجب أن يتعاون الخبراء والمنظمات معًا أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التهديدات. ويجب تزويد المزارعين بمناطق زراعة الشاي بأدوات إدارة المخاطر للاستعداد لهذه التهديدات والتعامل معها للتغلب على العواقب المرتقبة.
بينما نحتفل باليوم العالمي للشاي في يوم 21 مايو من كل عام، فكر: كيف سيكون حالك دون الشاي؟ حسنًا سأخبرك، ستبقى كما كنت كسولًا تنتظر شيئًا لن يأتي أبدًا. وبعد أن عرفت الآن الأسرار الكامنة وراء نبات الشاي الذي يضيء يومك، فقد حان دورك لتتصرف بمسئولية وتنشر الوعي بين الناس للمساعدة على حفظ مشروبنا المفضل دائمًا وأبدًا.
المراجع
china.org.cn
ethicalteapartnership.org/climate-change
ethicalteapartnership.org/tea-communities
commisceo-global.com
ncbi.nlm.nih.gov
encyclopedia.pub