في بعض الأحيان نسمع أغنية ما أو نشم رائحة معينة تذكرنا بشيء حدث في الماضي؛ فيشبه الأمر إعادة مشهد بكل تفاصيله وأحداثه. وقد يُعتبر ذلك حدثًا عرضيًّا، إلا أن ذلك نتاج لإحدى وظائف المخ؛ حيث تترك حواسنا الخمسة بصمات للذكريات على أجزاء مختلفة من المخ تساعدنا على تذكر تلك المعلومات لاحقًا.
تعتبر حاسة البصر واحدة من الحواس التي يعتمد عليها البشر بشكل كبير، ولكنها ليست مثالية عندما يأتي الأمر لاسترجاع الذكريات؛ فحتمًا ما ستشعر بذلك عندما تجد صعوبة في محاولة التعرف على وجه شخص قابلته من قبل. إلا أن حاسة البصر تساعدك كثيرًا؛ حيث تمر المعلومات من الأعضاء البصرية إلى الفص الصدغي تاركةً بصمات على المخ. تلك المعلومات هي التي تساعدك على التعرف على الأشخاص والتحركات، وبدونها لن تتمكن من التعرف على أي شخص معتمدًا على النظر فقط.
فيما يتعلق بالصوت، فللمخ البشري القدرة على التعرف على اللحن، والإيقاع، وكلمات الأغاني بعد الاستماع إليها لفترة طويلة. فقد تجد تلك الظاهرة مألوفة عندما تتذكر أغاني الطفولة مباشرة عند الاستماع إليها مجددًا. ولا يتذكر المخ المعلومات الخاصة بالأغاني فحسب، بل يتذكر الأصوات أيضًا؛ حيث يمكن أن تمر فترة طويلة دون الاستماع لأصوات معينة، لكنك تتمكن من تمييزها فورًا عند الاستماع إليها مرة أخرى. والمعلومات الخاصة بالأصوات تقوم بتخزين نفسها في القشرة السمعية للمخ.
على صعيدٍ آخر، يمكن للروائح أن تعيد لنا فيضًا من الذكريات كما يمكن أن تعيدنا إلى لحظات من الماضي. فما يحدث هو أن الأنف تقوم بإرسال إشارات للقشرة الشمية في المخ، وبذلك تستطيع التعرف على الرائحة. من هناك، تنتقل المعلومات إلى الجهاز الحوفي في المخ، والذي يقوم بدوره بربط الرائحة بأحداث سابقة مما يعيد الذكريات إلى مقدمة المخ.
وأخيرًا، فحاسة اللمس حاسة مهمة بالنسبة إلينا، ونستخدمها منذ نعومة أظافرنا؛ للتعرف على العالم المحيط بنا، فتبقى الأحاسيس النابعة من بشرتنا في شكل غرائز. فعلى سبيل المثال، إذا اختبرت شيئًا مؤلمًا، مثل الحرق، فسيربط المخ ذلك الشيء الذي حرقك بالألم، ولذلك فسوف تحترس منه بعد ذلك لتفادي الألم. كما نفعل الشيء ذاته مع الأحاسيس الممتعة؛ مثل النعومة. فتذهب الإشارات من البشرة إلى اللحاء الانعزالي بالمخ، وتظل هناك للرجوع إليها في المستقبل.
إنه لمن المدهش كيف تعد أحاسيسنا بمثابة مخزن للذكريات؛ ففي المرة المقبلة التي تستمع فيها إلى أغنية معينة أو تشم رائحة ما وتأخذك لذكريات سعيدة في الماضي، تذكَّر أن حواسك هي التي تقوم بذلك.
المراجع
www.nature.com
www.ehow.com
المقال الأصلي منشور في مجلة كوكب العلم، عدد صيف 2013.
Cover image by Freepik