لا تُعد الأسماك مصدرًا للغذاء للبشر فقط، بل تُعد مصدرًا غذائيًّا للكائنات البحرية الأخرى أيضًا. وبخلاف ذلك، فإن بعض أنواع الأسماك لها دور مهم في النظام البيئي المائي؛ فيساهم بعضها بشكل مباشر في صحة الأسماك الأخرى، وخاصة أسماك الشعب المرجانية. في هذا المقال، أقدم نوعين مهمين من الأسماك المكلفة بوظائف مهمة بدوام كامل.
سمكة الراس المنظفة
يُعد تكافل التنظيف أمرًا شائعًا بين الأسماك؛ حيث يوجد تعاون متبادل مفيد للطرفين من أنواع الأسماك: الطرف الأول (عادة ما يُسمى بالمنظف) يزيل الطفيليات ويأكلها من على جسم الطرف الثاني (والمعروف عادة باسم العميل). ومثال على على ذلك هو العلاقة بين سمكة الراس المنظفة والأسماك الأخرى؛ حيث تحصل سمكة الراس على غذائها من الطفيليات الموجودة على جسم الأسماك الأخرى بينما تنظفها.
تزيل سمكة الراس المنظفة الحراشف والأنسجة الميتة من على جسم الأسماك الأخرى، والتي يمكن أن تكون وسيطًا جيدًا لبعض مسببات الأمراض. وذلك يحفز إنتاج المخاط، وهو خط الدفاع الأول في الجهاز المناعي للأسماك. على هذا النحو، أثبتت الدراسات العلمية أن سمكة الراس المنظفة لها دور حيوي في الحفاظ على صحة الأسماك والشعاب المرجانية. حتى أنه تزداد أعداد الأسماك في الأماكن التي توجد فيها أسماك الراس المنظفة.
تعيش معظم أسماك الراس المنظفة في المياه الاستوائية وشبه الاستوائية للمحيط الأطلسي والهندي والمحيط الهادئ. وتقيم أسماك الراس المنظفة محطات تنظيف؛ حيث تعمل لساعات في تنظيف أكثر من 2000 عميل من الأسماك الكبيرة. ويدخل أحد أنواع أسماك الراس المنظفة إلى أفواه أسماك القرش ليأكل بقايا الطعام التي لم تبتلعها أسماك القرش. الأمر المثير للدهشة أن أسماك القرش لا تبتلع أسماك الراس في أثناء تنظيف أسنانها.
يمكن الاستعانة بأسماك الراس المنظفة في مزارع السلمون لمكافحة قمل البحر ومكافحة الآفات. علاوة على ذلك، ينقل بعض الناس أسماك الراس إلى أحواض السمك الضخمة للحفاظ على نظافتها. وهذا يقلل من أعداد الأسماك التي تعتمد على وجود أسماك الراس، وكذلك يؤثر في تنوع أسماك الشعب المرجانية.
ومن المفارقات أن هناك نوعًا آخر من الأسماك التي تشبه أسماك الراس المنظفة ذات الخطوط الزرقاء، وهي سمكة البلوني ذات الأسنان الحادة، والمعروفة باسم سمكة الراس المزيفة. من أجل الحصول على خدمات التنظيف، تقترب الأسماك الأخرى منها وتخلط بينها وبين أسماك الراس؛ فعندما تقترب الأسماك من سمكة الراس الزائفة، تقضم قطعة من لحمها وتهرب.
سمكة الببغاء
أسماك الببغاء أسماك ملونة تنتمي إلى فصيلة السكاريداي؛ وعادة ما تجد هذه الأسماك حول الشعاب المرجانية الاستوائية في جميع محيطات العالم. يوجد نحو 80 نوعًا من من أسماك الببغاء، ويتراوح حجمها بين 30 إلى 120 سم، ويمكن أن يصل متوسط عمرها إلى 7 سنوات. إن مهمة هذه الأسماك الأساسية هي تنظيف الشعاب المرجانية؛ حيث تحافظ على صحتها. ولأسماك الببغاء تأثير مباشر في حجم الشعب المرجانية وكثافة مستعمراتها، وبالتالي فإنها تحافظ أيضًا على صحة الأسماك وازدهارها حول الشعاب المرجانية.
تعتمد أسماك الببغاء بشكل أساسي على الطحالب التي تنمو على الشعاب المرجانية؛ حيث تقضي معظم يومها في كشط الأجزاء الصلبة من الشعاب المرجانية وأكل الطحالب من عليها. وبفضل منقارها القوي المدبب الذي يشبه منقار الببغاء، والذي يمكن أن يصل إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها من الشعاب المرجانية، وباستخدام أسنانها القوية، يمكن للأسماك أن تقضم الطحالب من داخلها.
هناك نوع آخر من أسماك الببغاء يعرف بسمكة الببغاء الخضراء حدباء الرأس يمكنه في أثناء أكله للطحالب قضم الأجزاء الميتة من الشعب المرجانية. فلديها مجموعة من الأسنان، تسمى بالأسنان البلعومية، تكسر هذه القطع من الشعاب المرجانية في حلق السمكة. فتتحول الشعاب المرجانية المهضومة إلى رمال تخرجها الأسماك مرة أخرى إلى الشعاب المرجانية والبحر. وتشير التقديرات إلى أن سمكة واحدة كبيرة من أسماك الببغاء الخضراء حدباء الرأس يمكنها أن تكسر الشعاب المرجانية بما يكفي لتكوين ما يصل إلى 360 كيلوجرامًا من الرمال البيضاء سنويًّا. فاكتشف العلماء والباحثون أن أسماك الببغاء تساهم بنسبة تصل إلى 70٪ من الرمال البيضاء الموجودة على بعض الشواطئ في هاواي ومنطقة البحر الكاريبي.
مثل معظم الكائنات البحرية والأسماك، تواجه أسماك الببغاء خطر الصيد الجائر في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي، مما يؤثر سلبًا في صحة الشعاب المرجانية. وهناك عديد من البرامج المخصصة لحماية أسماك الببغاء وزيادة الوعي بأهمية حمياتها.
إنه لأمر رائع أن تكتشف أن هناك كائنات صغيرة في أعماق البحار لديها وظائف بدوام كامل وأدور حيوية تؤثر في النظام البيئي البحري. وعلى الرغم من عدم حصولها على راتب في مقابل عملها، فإنها بالتأكيد تستفيد في مقابل وظيفتها.
المراجع
nationalgeographic.com
nature.org
ncbi.nlm.nih.gov
reefbuilders.com