ألم يأتِ على كل واحد منَّا وقتٌ حرصنا فيه على تحديد أهدافٍ حالمة قد تبدو صعبة المنال عند بداية عام جديد؟ فسواء كنت تتخذ تلك القرارات عند بداية العام الجديد أو بمناسبة ذكرى ميلادك كما يفعل الكثير من الناس، هناك دائمًا وقت ما في حياة كل شخص يقرر فيه فجأة أن شخصيته أو عاداته أو حياته القديمة قد بلت، وأنه لا يستطيع المضي قدمًا من دون تغييرها؛ حينئذٍ تؤخذ تلك القرارات.
عملية بسيطة، ولكن...
يميل الناس إلى التفكير بشأن قرارات العام الجديد على أنها أمرٌ بسيطًا سيتحقق إن عاجلاً أم آجلاً؛ فيعتقدون أنهم سيتمكنون من تحقيق أهدافهم بغض النظر عن أية ظروف. إلا أن لعلم النفس وجهة نظر أخرى في الأمر.
ففي استطلاع للرأي أجراه ريتشارد وايزمان، عالم النفس بجامعة هيرتفوردشير بالمملكة المتحدة، والذي شمل أكثر من 3000 شخص تم سؤالهم عن الإستراتيجيات التي يتبعونها لتحقيق القرارات التي يتخذونها عند بداية العام الجديد، وُجِد أن ما يقارب 88% من القرارات التي تُتخذ تبوء بالفشل. فلا يخفق معظمنا في تحقيق الأهداف التي نحددها بشكل سنوي فحسب، ولكن لهذا أيضًا تأثير على نفسيتنا وشعورنا بالراحة والسعادة. فعندما يخفق الشخص في تحقيق هدف معين، يفقد الحماس والاهتمام بالسعي وراء تحقيق أهدافه.
على سبيل المثال، وُجِد أن فقدان الوزن الزائد هو من القرارات الأكثر شيوعًا لدى الكثير من الأشخاص؛ فيكونون مصرين بشكل كبير وعازمين على تحقيق أهدافهم خلال أول أسبوعين من العام الجديد. إلا أنه بحلول شهر فبراير يميلون إلى التباطؤ، وبنهاية العام يكونون قد عادوا إلى نقطة الصفر أو أدنى من ذلك بكثير، مما يؤثربشكل مدمر على ثقتهم بأنفسهم.
ولقد قام الكثير من العلماء وخاصةً علماء النفس بدراسات متعمقة حول هذا الموضوع. وبالرغم من اختلاف النتائج، فإن هناك بعض النقاط المشتركة التي نستطيع أن نشير إليها هنا. فوفقًا لتيموثي بيكيل، أستاذ علم النفس بجامعة كارلتون بكندا، فإن الناس في أغلب الأحيان غير مستعدين ليغيروا من عاداتهم وخاصة العادات السيئة. وهناك نظرية أخرى لأستاذ علم النفس بيتر هيرمان الذي توصل هو وزملاؤه إلى ما يعرف بمتلازمة "الأمل الخاطئ"؛ حيث يحدد الأشخاص أهدافًا غير واقعية لا تتماشى مع قدرتهم على تحقيق تلك الأحلام وعلى العمل على تنفيذ القرارات التي اتخذوها.
حل اللغز
حسب الدراسة التي أجراها وايزمان على 3000 شخص، فإن الكثير من الأشخاص الذين يخفقون في تنفيذ قراراتهم غالبًا ما يركزون على سلبيات عدم قدرتهم على تحقيق أمنياتهم. بينما وُجِد أن الأشخاص الذين يتمكنون من تحقيق أهدافهم يميلون إلى تقسيمها إلى خطوات صغيرة، كما أنهم يقومون بمكافأة أنفسهم عند الانتهاء من كل مرحلة على طريق تحقيق ما يسعون إليه.
فالمشكلة الأساسية التي تحول دون تنفيذ قرارات العام الجديد تكمن في ميل الأشخاص إلى تحديد أكثر من هدف، والعمل علي تنفيذها مجتمعة في آنٍ واحد وبصورة مفاجئة. في حين أن توزيع القرارات على مدار العام هو الخيار الأنسب؛ حيث يتماشى ذلك مع قدرة الأشخاص على ضبط النفس، وهو المفتاح الرئيسي لتحقيق أقصى ما يمكن للشخص عمله.
ويعتقد علماء النفس أن الإدراك الذاتي ومعرفة المرء لحدود عقله هما أولى خطوات إصلاح ما يُعرف بعيوب الإرادة. فاتضح أن هناك أساسًا نفسيًّا لهذه النظرية؛ حيث إن الجزء المسئول عن الإرادة داخل المخ هو الفص الجبهي، والذي يوجد خلف الجبهة مباشرة، ولهذا الفص الكثير من الوظائف بخلاف الإرادة مثل: التركيز، والذاكرة قصيرة الأمد، وحل المشكلات المجردة. فليس من المفاجئ إذًا أننا إذا عرَّضنا هذا الجزء إلى الكثير من الواجبات التي تتطلب إرادة قوية، فسيصبح مثقلاً بالأنشطة. لهذا السبب نجد أنه من الصعب أن نقاوم رغبتنا في تناول وجبة دسمة كبيرة بعد يوم طويل من العمل الشاق حتى وإن لم نحتج حقًّا إلى تناول مثل تلك الوجبة.
هل نستسلم إذًا؟
لا يعني إدراكنا لمدى عناد قوة إرادتنا ومقاومة عقلنا لأي تغيير أن نستسلم. فعلى النقيض تمامًا، يمكن أن يساعدنا فهم النفسية البشرية وطريقة معالجة عقولنا لبعض الأوامر والاحتياجات والرغبات على أن نطور الإستراتيجيات التي نتبعها لتلبية احتياجاتنا ومطالبنا.
ها هي بعض النصائح التي من شأنها أن تساعدك على تنفيذ قرارات العام الجديد:
- لا تنتظر حتى حلول العام الجديد لتتخذ قرارات مهمة؛ فوقتما احتجت إلى أن تغير شيئًا ما في حياتك أو في ذاتك، فلتقم بذلك على الفور ولا تؤجله حتى وقت لاحق.
- حدد أهدافًا واقعية ومحددة وقابلة للقياس. فإذا أردت أن تفقد بعض الوزن الزائد، هنيئًا لك، ولكن هذا لا يُعَد هدفًا محددًا؛ فمن الأفضل أن تعمل على فقدان 10 كيلو غرام خلال ستة أشهر مثلاً.
- ركز على تنفيذ قرار منفصل في كل مرة، وإذا كان أحد الأهداف كبيرًا أو سيستغرق مدة طويلة؛ فلتتخذ خطوات بسيطة محددًا فترات معينة لتحقيق كل خطوة منها.
- أخيرًا، لا تأخذ الأهداف أو القرارات على محمل الجد؛ فامرح لتخفف من الضغط النفسي الذي قد تمر به.
المراجع
psychologytoday.com
guardian.co.uk
online.wsj.com
neatorama.com
cbsnews.com
*هذا المقال منشور في نشرة مركز القبة السماوية العلمي، عدد «الفصل الدراسي الثاني 2011/ 2012».